للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قد طال ما قد كنت مطمئنة ... هل أنت إلا نطفة في شنّة

ولم يزل يقاتل حتى قتل رضي الله عنه. ثم اتفق الناس على إمرة خالد بن الوليد فأخذ اللواء، وقاتل المشركين حتى انهزموا، فانحاز بجيشه حينئذ عائدا إلى المدينة» .

روى البخاري عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلّى الله عليه وسلم نعى زيدا وجعفر وابن رواحة للناس قبل أن يأتيهم خبرهم، فقال: «أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذ الراية جعفر فأصيب، ثم أخذ الراية ابن رواحة فأصيب- وعيناه تذرفان- حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله، حتى فتح الله عليهم» .

وهذا الحديث يدل كما ترى، على أن الله أيد المسلمين بالنصر أخيرا، وليس كما قال بعض رواة السيرة أن المسلمين انهزموا وتفرقوا، وعادوا بعد ذلك إلى المدينة. ولعل مقصود الذين قالوا هذا، أن المسلمين لم يتبعوا الروم ومن معهم في هزيمتهم، واكتفوا بانكشافهم عن مواقعهم، خوفا على المسلمين، وانقلبوا عائدين إلى المدينة، ولا شك أنه تدبير حكيم من خالد بن الوليد رضي الله عنه.

قال ابن حجر: وقع في المغازي لموسى بن عقبة- وهي أصح المغازي- قوله: «ثم أخذه (يعني اللواء) عبد الله بن رواحة فقتل، ثم اصطلح المسلمون على خالد بن الوليد، فهزم الله العدو وأظهر المسلمين» . قال العماد بن كثير: «ويمكن الجمع بأن خالدا حاز المسلمين وبات، ثم أصبح وقد غير هيأة العسكر فجعل الميمنة ميسرة والميسرة ميمنة، ليتوهم العدو أن مددا قد جاء المسلمين. فحمل عليهم خالد فولّوا فلم يتبعهم ورأى الرجوع بالمسلمين هي الغنيمة الكبرى «٤١» .

ولما دنوا من المدينة، تلقاهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ولقيهم الصبيان يسرعون، فقال: خذوا الصبيان فاحملوهم، وأعطوني ابن جعفر!. فأتي بعبد الله فأخذه فحمله بين يديه.. وجعل الناس يصيحون بالجيش: يا فرار، فررتم في سبيل الله.. فيقول رسول الله صلّى الله عليه وسلم: ليسوا بالفرار ولكنهم الكرار إن شاء الله» .

[العبر والعظات:]

أهم ما يثير الدهشة، في هذه الغزوة، تلك النسبة الكبيرة من الفرق بين عدد المسلمين فيها وعدد مقاتليهم من الروم والمشركين العرب! .. لقد رأيت أن عدد المشركين ومن معهم من الروم قد بلغ ما يقرب مئتي ألف مقاتل! .. وذلك على ما رواه ابن إسحاق وابن سعد وعامة كتاب السيرة «٤٢» على حين أن عدد المسلمين لم يتجاوز ثلاثة آلاف. ومعنى ذلك أن عدد المشركين والروم


(٤١) انظر فتح الباري: ٧/ ٣٦١ و ٣٦٢
(٤٢) انظر طبقات ابن سعد: ٣/ ١٧٥ وسيرة ابن هشام: ٢/ ٣٧٥

<<  <   >  >>