وروى ابن سعد أن النّبي صلّى الله عليه وسلم عندما استعمل أبا بكر على الحج، خرج في ثلاثمائة رجل من أهل المدينة، وبعث معه رسول الله صلّى الله عليه وسلم بعشرين بدنة قلدها وأشعرها.
[العبر والعظات:]
١- المشركون وتقاليدهم في الحج: لقد عرفت فيما مضى أن الحج إلى بيت الله الحرام كان مما ورثه العرب عن إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فكان من بقايا الحنيفية التي ما زالوا محافظين عليها. إلا أن كثيرا من أدران الجاهلية وأباطيل الشرك قد تسلل إليه، حتى غدا مظهرا من مظاهر الشرك أكثر من أن يكون عبادة قائمة على عقيدة التوحيد.
ذكر ابن عائذ أن المشركين كانوا يحجون مع المسلمين، ويعارضهم المشركون بإعلاء أصواتهم ليغلطوهم بذلك، فيقولون:«لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك» . وكان رجال منهم يطوفون عراة ليس على رجل منهم ثوب، يرون ذلك تعظيما للبيت! .. وكان يقول أحدهم:
«أطوف بالبيت كما ولدتني أمي، ليس عليّ شيء من الدنيا خالطه الظلم»«١١٦» .
وظلت هذه الأرجاس إلى نهاية العام التاسع من الهجرة، حيث كان حج أبي بكر رضي الله عنه والإنذار الذي أبلغه كل من أبي بكر وعلي رضي الله عنهما لسائر المشركين، إيذانا بطهارة المسجد الحرام عن تلك الأرجاس، وزوالها إلى غير رجعة.
٢- انتساخ العهد بإعلان الحرابة: ثم اعلم أن المشركين كانوا إذ ذاك صنفين، كما قال محمد بن إسحاق وغيره: أحدهما كان بينه وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلم عهد إلى ما دون أربعة أشهر من الزمن، فأمهل هذا الصنف إلى تمام المدة، وثانيهما كان بينه وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلم عهد مفتوح، أي بغير أجل، فاقتصر به القرآن في سورة براءة على أربعة أشهر، ثم هو بعد ذلك الحرب بينهم وبين المسلمين، يقتل أحدهم حيث أدرك، إلا أن يسلم ويتوب، وابتداء هذا الأجل من يوم عرفة من العام التاسع، وانقضاؤه إلى عشر من شهر ربيع الآخر.
وقيل- وهو رأي الكلبي-: إنما كانت الأشهر الأربعة مدة لمن كان بينه وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلم عهد دون أربعة أشهر. فأما من كان عهده أكثر من ذلك، فقد أمر الله أن يتم عهده إلى مدته، فذلك هو معنى قوله عزّ وجلّ: إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ [التوبة ٩/ ٤] .