غير أن مظاهر التيسير والتبشير، ينبغي أن لا تتجاوز حدود المشروع والمباح، فليس من التيسير المطلوب أو المشروع تبديل بعض الأحكام أو التلاعب بمفاهيم الإسلام بغية التيسير على الناس، وليس منه الإقرار على المعصية مهما كان شأنها، وإن كان للتيسير المشروع دخل في اختيار الوسيلة التي ينبغي أن تستعمل لإنكارها.
ومن آداب الدعوة إلى الله، (وهي من آداب الإمارة والولاية أيضا) الاحتراز عن التلبس بظلم أي إنسان، وخاصة ما يكون منه بأخذ شيء من أموال الناس بغير حق، وهو نوع خطير من الظلم قد يتعرض له الدعاة إلى الله تعالى إذا ما غفلوا عن حقيقة مسؤولياتهم ومراقبة الله عز وجل لهم، كما يتعرض له أرباب الولاية والسلطان.
ولما كان معاذ رضي الله عنه متسما بكلا الصفتين لدى إرسال الرسول صلّى الله عليه وسلم له إلى اليمن: أي صفة الدعوة، وصفة الإمارة والولاية، فقد شدّد النبي عليه في التحذير من الوقوع في أي نوع من أنواع الظلم، قائلا:
«واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب» .
[حجة الوداع وخطبتها]
روى الإمام مسلم بسنده عن جابر رضي الله عنه قال:
«مكث رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالمدينة المنورة تسع سنين لم يحجّ، ثم أذّن في الناس في العاشرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم حاج، فقدم المدينة بشر كثير كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله صلّى الله عليه وسلم ويعمل مثل عمله.
وخرج صلّى الله عليه وسلم من المدينة لخمس ليال بقين من ذي القعدة «١٣٤» ، قال جابر: فلما استوت به ناقته في البيداء، نظرت إلى مدّ بصري بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وسلم من راكب وماش، وعن يمينه مثل ذلك، وعن يساره مثل ذلك، ومن خلفه مثل ذلك، ورسول الله صلّى الله عليه وسلم بين أظهرنا، وعليه ينزل القرآن» .
(١٣٤) اختلف الرواة في اسم اليوم الذي خرج فيه صلّى الله عليه وسلم، فقد ذكر ابن حزم أنه كان يوم الخميس، ونقل آخرون أنه كان يوم الجمعة، والصحيح ما رواه ابن سعد في طبقاته أن ذلك كان يوم السبت، وهو ما جزم به ابن حجر في الفتح. وقد كان يوم الخميس هو أول ذي الحجة، فيكون شهر ذي القعدة على ذلك تسعة وعشرين. ويحمل قول من روى أن خروجه صلّى الله عليه وسلم كان لخمس ليال بقين من ذي القعدة على ظن أن الشهر سيكون ثلاثين.