للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الأساس الثاني (الأخوة بين المسلمين)]

ثم إن الرسول صلّى الله عليه وسلم آخى بين أصحابه من المهاجرين والأنصار، آخى بينهم على الحق والمواساة، وعلى أن يتوارثوا بينهم بعد الممات، بحيث يكون أثر الأخوة الإسلامية في ذلك أقوى من أثر قرابة الرحم.

فجعل جعفر بن أبي طالب ومعاذ بن جبل أخوين، وجعل حمزة بن عبد المطلب وزيد بن حارثة أخوين، وجعل أبا بكر الصديق رضي الله عنه وخارجة بن زهير أخوين، وعمر بن الخطاب وعتبان بن مالك أخوين، وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع أخوين..

وهكذا.. «١٠» .

ثم ربط النبي صلّى الله عليه وسلم هذا التآخي بين أفراد الصحابة بنطاق عام من الأخوة والموالاة، كما سنجد فيما بعد.

وقد قامت هذه الأخوة على أسس مادية أيضا، وكان حكم التوارث فيما بينهم من بعض هذه الظواهر المادية. وظلت حقوق هذا الإخاء مقدمة على حقوق القرابة إلى موقعة بدر الكبرى، حيث نزل في أعقابها قوله تعالى: وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [الأنفال ٨/ ٧٥] ، فنسخت هذه الآية ما كان قبلها وانقطع أثر المؤاخاة الإسلامية في الميراث، ورجع كل إنسان في ذلك إلى نسبه وذوي رحمه، وأصبح المؤمنون كلهم إخوة.

روى البخاري عن ابن عباس قال: «كان المهاجرون حين قدموا المدينة يرث المهاجريّ الأنصاريّ دون ذوي رحمه للأخوة التي آخى النبي صلّى الله عليه وسلم بينهم، فلما نزلت: وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ نسخت. ثم قال: وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ [النساء ٤/ ٣٣] أي من النصر والرفادة والنصيحة. وقد ذهب الميراث «١١» .

[العبر والدلائل:]

وهذا هو الأساس الثاني الذي اعتمده رسول الله صلّى الله عليه وسلم في سبيل بناء المجتمع الإسلامي والدولة الإسلامية. وإن أهمية هذا الأساس تظهر في الجوانب التالية:

أولا: إن أي دولة لا يمكن أن تنهض وتقوم إلا على أساس من وحدة الأمة وتساندها،


(١٠) انظر سيرة ابن هشام: ١/ ٥٠٤ وطبقات ابن سعد: ٣/ ٢
(١١) رواه البخاري في كتاب التفسير: ٥/ ١٧٨

<<  <   >  >>