محمد صلّى الله عليه وسلم خاتم النّبيّين وعلاقة دعوته بالدّعوات السّماوية السّابقة
محمد عليه الصلاة والسلام خاتم الأنبياء، فلا نبي بعده. وهذا مما أجمع عليه المسلمون وعرف من الدين بالضرورة، قال عليه الصلاة والسلام:«مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بنيانا فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية من زواياه، فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون هلا وضعت هذه اللبنة؟ فأنا اللبنة وأنا خاتم النّبيين»«٨» .
أما دعوته صلّى الله عليه وسلم وعلاقتها بدعوات الأنبياء السابقين، فقائمة على أساس التأكيد والتتميم، كما يدلّ عليه الحديث المذكور.
وبيان ذلك أن دعوة كل نبي تقوم على أساسين اثنين. الأول العقيدة والثاني التشريع والأخلاق. فأما العقيدة فلم يختلف مضمونها منذ بعثة آدم عليه السلام إلى بعثة خاتم النّبيين محمد صلّى الله عليه وسلم. إنما هي الإيمان بوحدانية الله وتنزيهه عن كل ما لا يليق به من الصفات، والإيمان باليوم الآخر والحساب والجنة والنار. فكان كل نبي يدعو قومه إلى الإيمان بهذه الأمور. وكان كل منهم يأتي مصدقا لدعوة من قبله ومبشرا ببعثة من سيأتي بعده. وهكذا فقد تلاحقت بعثتهم إلى مختلف الأقوام والأمم ليؤكّد الجميع حقيقة واحدة أمروا بتبليغها وحمل الناس على الإذعان لها، ألا وهي الدينونة لله عزّ وجلّ وحده، وهذا ما بيّنه الله تعالى بقوله في كتابه الكريم:
بل إنه لا يتصور أن تختلف دعوات الأنبياء الصادقين في شأن العقيدة، لأن أمور العقيدة من نوع الإخبار، والإخبار عن شيء لا يمكن أن يختلف ما بين مخبر وآخر إذا فرضنا الصدق في خبر كل منهما، فمن غير المعقول أن يبعث أحد الأنبياء ليبلّغ الناس أن الله ثالث ثلاثة، سبحانه عما يقولون، ثم يبعث من بعده نبي آخر ليبلّغهم بأن الله واحد لا شريك له ويكون كل منهما صادقا فيما بلّغ عن الله تعالى.
هذا عن العقيدة، أما التشريع وهو سنّ الأحكام التي يتوخى منها تنظيم حياة المجتمع والفرد، فقد كان يختلف في الكيف والكم ما بين بعثة نبي وآخر صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين،