للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

آية عدم الإيمان بالله تعالى أو ضعفه في النفس. ومثل هؤلاء الناس لا ينتظر منهم أن يغامروا بروح ولا مال. أما المؤمنون حقا فالمشكلة غير متصوّرة لديهم من أساسها، فلذّة الحياة الدنيا في يقينهم، أقل شأنا من أن تحبس المسلم عن أداء أصغر طاعة يتقرب بها إلى خالقه، وما التضحية بالروح في يقينهم إلا الانطلاقة من سجن الدنيا إلى نعيم الآخرة، وأنعم بها من غاية هي كل أمل المسلم في حياته التي يعيشها.

وهذا الشعور يتجلى بأوضح صورة في الأبيات التي قالها خبيب عند مقتله، خاصة في آخر بيت منها، وهو قوله:

ولست بمبد للعدو تخشعا ... ولا جزعا، إني إلى الله مرجعي

[إجلاء بني النضير]

وكان في شهر ربيع الأول، سنة أربع للهجرة.

روى ابن سعد أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم خرج يوم السبت، فصلى في مسجد قباء ومعه نفر من أصحابه من المهاجرين والأنصار، ثم أتى بني النضير، فكلمهم أن يعينوه في دية الكلابيّين اللذين قتلهما عمرو بن أمية الضمّري وكان لهما من رسول الله صلّى الله عليه وسلم جوار وعهد، وكان بين بني النضير وبين بني عامر عقد وحلف، وذلك على ما رواه ابن إسحاق وغيره، فقالوا: «نفعل يا أبا القاسم ما أحببت. وخلا بعضهم ببعض وهمّوا بالغدر. وقال عمرو بن جحاش النّضري: أنا أظهر على البيت فأطرح عليه صخرة- وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم واقفا إلى جنب جدار من بيوتهم-.

وزاد ابن سعد أن سلام بن مشكم (وهو من يهود بني النضير) قال لهم: لا تفعلوا، والله ليخبرنّ بما هممتم به وإنه لنقض العهد الذي بيننا وبينه «٤١» .

فجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلم الخبر بما همّوا فنهض سريعا كأنه يريد حاجة، وتوجه إلى المدينة.

ولحقه أصحابه، فقالوا: قمت ولم نشعر! .. قال: «همّت يهود بالغدر، فأخبرني الله بذلك فقمت» .

ثم أرسل إليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم: أن اخرجوا من بلدي فقد هممتم بما هممتم به من الغدر، وقد أجّلتكم عشرا، فمن رئي بعد ذلك ضربت عنقه.

فأخذوا يتهيئون للخروج، ولكن عبد الله بن أبي بن سلول أرسل إليهم: أن لا تخرجوا من دياركم وأقيموا في حصنكم، فإن معي ألفين من قومي وغيرهم يقاتلون عنكم. فعادوا عما أزمعوا عليه من الخروج وتحصنوا في حصونهم، فأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلم باعداد العدة لحربهم، والسير إليهم..


(٤١) طبقات ابن سعد: ٣/ ٩٩

<<  <   >  >>