ما طلبت ذلك ولا أردته، فأنت على حالك التي كنت عليها، فلا نعصيك ولا نخالفك ولا نقطع دونك أمرا.. فلما قرأ أبو عبيدة كتاب خالد، قال: بارك الله بخليفة رسول الله فيما رأى وحيّا الله خالدا على ما صنع. وكان الصدّيق قد كتب لأبي عبيدة كتابا يقول فيه: أما بعد، فإني قد ولّيت خالدا على قتال العدو بالشام فلا تخالفه واسمع وأطع له. فإني يا أخي لم أبعثه عليك لأجل أنه عندي خير منك، ولكنني ظننت أن له فطنة في الحرب في هذا المكان الحرج، أراد الله بنا وبك الخير والسلام.
ثم التقى المسلمون والروم، والتحم القتال بينهم، في سلسلة من المعارك، دامت مدة من الزمن. وكان نهايتها النصر للمسلمين، وقتل من الروم عدد كبير يصعب إحصاؤهم، كما أسر منهم عدد كبير أيضا.
وفي هذه الأثناء وصل إلى خالد بن الوليد خبر يفيد أن أبا بكر قد توفي، وقد بويع بعده بالخلافة لعمر. كما تضمّن الكتاب أمرا بعزل خالد وتولية أبي عبيدة على الجيش. فأسرّ خالد الخبر في نفسه كي لا يقع اضطراب في صفوف المسلمين. ولما بلغ الخبر أبا عبيدة أسرّه هو الآخر ولم يعلم به أحدا للسبب ذاته «٤» .
[وفاة أبي بكر رضي الله عنه:]
كانت وفاته في السنة الثالث عشرة من الهجرة ليلة الثلاثاء لسبع بقين من جمادى الآخرة عن ثلاث وستين من عمره. وكانت مدة خلافته سنتين وثلاثة أشهر وثلاثة أيام. ودفن في بيت عائشة بجانب قبر النّبي صلّى الله عليه وسلم.
[عهده بالخلافة إلى عمر:]
شاور أبو بكر رضي الله عنه قبيل وفاته طائفة من المتقدمين ذوي النظر والمشورة من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فاتفقت كلمتهم على أن يعهد بالخلافة من بعده إلى عمر بن الخطاب.
فكان أبو بكر بذلك أول من عهد بالخلافة من بعده إلى رجل معين، ونصّب خليفة بمقتضى ذلك.
ولعلّ الخير أن نقول كلمة في تفصيل ذلك:
ذكر الطبري وابن الجوزي وابن كثير أن أبا بكر رضي الله عنه خشي على المسلمين أن يختلفوا من بعده ثم لا يجتمعوا على رأي، فدعاهم- لما ثقل عليه المرض- إلى أن يبحثوا لأنفسهم عن خليفة من بعده، ورغب أن يكون ذلك في حياته وبمعرفته.
إلا أن المسلمين لم يتفقوا فيما بينهم على من يخلف أبا بكر في تلك الفترة القصيرة. فوضعوا
(٤) باختصار عن الطبري ٣/ ٣٤٣ وما بعد، والبداية والنهاية لابن كثير: ٦/ ٣٤٣ وما بعد، وتاريخ الخلفاء للسيوطي: ٦٧