للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الأحكام المتعلقة بذلك:]

هذا عن بعض الحكم الإلهية المتعلقة بأمر صلح الحديبية، أما ما يتعلق بذلك من الدلالات والأحكام فإنه لكثير، وسنقتصر من ذلك على ما يلي:

أولا: (الاستعانة بغير المسلمين فيما دون القتال) ، قلنا إن النّبي صلّى الله عليه وسلم أرسل بشر بن سفيان عينا إلى قريش ليأتيه بأخبارهم. وبشر بن سفيان كان مشركا من قبيلة خزاعة. وفي هذا تأكيد لما كنا قد ذكرناه سابقا من أن أمر الاستعانة بغير المسلم يتبع الظرف وحالة الشخص الذي يستعان به. فإن كان ممن يطمأنّ إليه ولا تخشى منه بادرة غدر أو خديعة، جازت وإلا فلا. وعلى كل فإن النّبي صلّى الله عليه وسلم، في كل الحالات، إنما استعان بغير المسلمين بما دون القتال، كإرساله عينا على الأعداء أو استعارة أسلحة منهم وما شابه ذلك. والذي يبدو أن الاستعانة بغير المسلمين في القضايا السلمية أشبه بالجواز منها في أعمال القتال والحرب.

ثانيا: (طبيعة الشورى في الإسلام) ، لقد رأينا في عامة تصرفات الرسول صلّى الله عليه وسلم ما يدل على مشروعية الشورى وضرورة تمسك الحاكم بها، وعمل النّبي صلّى الله عليه وسلم هنا، يدل على طبيعة هذه الشورى والمعنى الذي شرعت من أجله، فالشورى في الشريعة الإسلامية مشروعة ولكنها ليست ملزمة، وإنما الحكمة منها استخراج وجوه الرأي عند المسلمين، والبحث عن مصلحة قد يختص بعلمها بعضهم دون بعض، أو استطابة نفوسهم. فإذا وجد الحاكم في آرائهم ما سكنت نفسه إليه على ضوء دلائل الشريعة الإسلامية وأحكامها، أخذ به، وإلا كان له أن يأخذ بما شاء بشرط أن لا يخالف نصّا في كتاب ولا سنّة ولا إجماعا للمسلمين.

ولقد وجدنا أن النّبي صلّى الله عليه وسلم استشار أصحابه في الحديبية، وأشار عليه أبو بكر بما قد علمت، قال له: «إنك يا رسول الله خرجت عامدا لهذا البيت، فتوجه له، فمن صدّنا عنه قاتلناه» .

ولقد وافقه النّبي صلّى الله عليه وسلم في بادئ الأمر، ومضى مع أصحابه متجها إلى مكة حتى إذا بركت الناقة، وعلم أنها ممنوعة.. ترك الرأي الذي كان قد أشير به عليه، وأعلن قائلا: «والذي نفسي بيده لا يسألونني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها» . وحينئذ تحول العمل عن ذلك الرأي الذي أبداه أبو بكر، إلى أمر الصلح والموافقة على شروط المشركين، دون أن يستشير في ذلك أحدا، بل ودون أن يصيخ إلى استعظام واستنكار المستنكرين كما قد رأيت.

فهذا يعني أن أمر الشورى يأتي من وراء حكم الوحي الذي هو اليوم: الكتاب والسّنة وإجماع الأئمة، رضوان الله عليهم، كما يدلّ أيضا على أن الشورى إنما شرعت للتبصر بها، لا للإلزام أو التصويت على أساسها.

ثالثا: (التوسل والتبرك بآثار النّبي صلّى الله عليه وسلم) ، قلنا، إن عروة بن مسعود، جعل يرمق

<<  <   >  >>