للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

طوائف كثيرون، ولم يبق منهم إلا ألف تقريبا يرأسهم عبد الله بن وهب الراسبي، وكان الخوارج هم أول من بدأ القتال، فقتلوا عن آخرهم، وقيل أكثرهم. ولم يقتل من أصحاب علي إلا سبعة نفر.

ثم إن الأمور تنغصت على أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، واضطرب جيشه، وخالفه كثير من أهل العراق واستفحل أمر الشام وصالوا وجالوا يمينا وشمالا، كما يقول ابن كثير، زاعمين أن الأمر استتبّ لمعاوية بمقتضى حكم الحكمين، هذا مع العلم بأن أهل الشام كلما ازدادوا قوة ازداد أهل العراق ضعفا وخذلانا؛ ومع ما كانوا يعرفونه من أن أميرهم عليا رضي الله عنه خير أهل الأرض في ذلك الزمان، أعبدهم وأزهدهم وأعلمهم وأخشاهم لله عز وجل، فقد خذلوه وتخلّوا عنه، حتى كره الحياة وتمنى الموت. وحتى كان يكثر أن يقول: «والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، لتخضبنّ هذه من هذه (أي لحيته من رأسه) فما يحبس أشقاها؟» .

وكان عبد الرحمن بن ملجم، وهو واحد من رؤوس الخوارج، قد خطب امرأة يقال لها قطام فائقة الجمال، وكان قد قتل أبوها وأخوها يوم النهروان، فاشترطت عليه أن يقتل عليا رضي الله عنه، فقال: والله ما جاء بي إلى هذه البلدة إلا قتل عليّ، فتزوجها ودخل بها، وأخذت تحرّضه على قتل عليّ رضي الله عنه.

وفي ليلة الجمعة لسبع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان عام ٤٠ للهجرة، كمن عبد الرحمن بن ملجم- ومعه اثنان من أعوانه- مقابل السدة التي يخرج منها عليّ رضي الله عنه عادة، وخرج كعادته يوقظ الناس لصلاة الفجر، ففاجأه ابن ملجم وضربه بالسيف على قرنه فسال دمه على لحيته رضي الله عنه.

وقال لأصحابه، وقد علم أن ابن ملجم هو الذي فعل به ذلك: إن متّ فاقتلوه وإن عشت فأنا أعلم كيف أصنع به. ولما احتضر رضي الله عنه جعل يقول: لا إله إلا الله، لا يقول غيرها.

وقد توفي عن ثلاثة وستين عاما. وكانت مدة خلافته خمس سنين إلا ثلاثة أشهر.

والذي رجحه ابن كثير أنه دفن بدار الإمارة في الكوفة، وأكثر المؤرخين على أن أقاربه وأصحابه عمّوا قبره خيفة عليه من الخوارج، والأقوال في مكان دفنه وأنه نقل إلى البقيع أو إلى أماكن أخرى كثيرة جدا. والله أعلم.

أما ابن ملجم فقد تولّى قتله الحسن رضي الله عنه، ثم أحرقت جثته بالنار «٩» .

[العبر والعظات:]

أولا- هل كان بين عليّ رضي الله عنه وأولئك الذين كانوا يستعجلون في طلب الثأر من قتلة عثمان، أيّ خلاف جذري في هذه المسألة؟


(٩) تاريخ الطبري ٥/ ١٣٣ وما بعدها، والبداية والنهاية ٧/ ٣٨٥ وما بعدها.

<<  <   >  >>