للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[عام الحزن]

وهو العام العاشر من بعثته صلّى الله عليه وسلم، فقد توفيت فيه زوجته خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، وتوفي فيه عمه أبو طالب، ويقول ابن سعد في طبقاته: «كان بين وفاة خديجة وأبي طالب شهر وخمسة أيام» .

وقد كانت خديجة رضي الله عنها، كما قال ابن هشام، وزير صدق على الإسلام، يشكو الرسول إليها ويجد عندها أنسه وسلواه. أما أبو طالب، فقد كان عضدا وحرزا في أمره، وكان ناصرا له على قومه.

يقول ابن هشام: «فلما هلك أبو طالب نالت قريش من رسول الله صلّى الله عليه وسلم من الأذى ما لم تكن تطمع به في حياة أبي طالب، حتى اعترضه سفيه من سفهاء قريش فنثر على رأسه ترابا.

ودخل رسول الله صلّى الله عليه وسلم بيته والتراب على رأسه، فقامت إحدى بناته فجعلت تغسل عنه التراب وهي تبكي، ورسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول لها: لا تبكي يا بنية فإن الله مانع أباك» «١٥» .

ولقد أطلق النبي صلّى الله عليه وسلم على هذا العام اسم (عام الحزن) لشدة ما كابد فيه من الشدائد في سبيل الدعوة.

[العبر والعظات:]

ترى، ما الحكمة في أن يتعجل قضاء الله تعالى في استلاب أبي طالب من الحياة، قبل أن يشتد ساعد المسلمين في مكة ويتكون لهم شيء من المنعة؟ ومعلوم أنه قد كان يحمي الرسول- قدر الإمكان- من كثير من المصائب والشدائد، وما الحكمة في أن يتعجل القضاء باستلاب زوجته خديجة رضي الله عنها، وقد كان يجد عندها أنسه وسلواه، وينفض بمساعدتها عن كاهله كثيرا من أحاسيس الشدائد والآلام؟

تبرز هنا ظاهرة هامة تتعلق بأساس العقيدة الإسلامية.

فلو أن أبا طالب بقي إلى جانب ابن أخيه يكلؤه ويحميه إلى أن تقوم الدولة الإسلامية في المدينة وريثما ينجو الرسول من أذى المشركين وقبضتهم، لكان في ذلك ما قد يوهم أن أبا طالب كان من وراء هذه الدعوة، وأنه هو الذي كان يدفعها إلى الأمام ويحميها بمكانته وسلطانه بين قومه، وإن لم يظهر الإيمان بها والانضواء تحت لوائها، ولجاء من يطيل ويطنب في بيان الحظ


(١٥) رواه ابن إسحاق، وانظر تاريخ الطبري: ٢/ ٥٤٤

<<  <   >  >>