لابدّ منها في حكم الشريعة الإسلامية التي بعث لتبليغها وتطبيقها، ألا وهي مرحلة قتال أولئك الذين بلغتهم الدعوة فوعوها وفهموها، ولكنهم استكبروا عن الإيمان بها والإذعان لها حقدا وعدوانا.
إنها المرحلة التي بها أنجز رسول الله صلّى الله عليه وسلم دعوة ربه، وهي المرحلة التي أصبحت- بعمله وقوله- حكما شرعيا باتفاق المسلمين في كل عصر إلى يوم القيامة، وهي المرحلة التي يحاول محترفو الغزو الفكري أن يطمسوا عليها ويغيبوها عن أعين المسلمين، بزعم أن كل ما يتعلق بالجهاد في الشريعة الإسلامية إنما هو قائم على أساس الحرب الدفاعية وردّ العدوان، وها هي ذي هيأة الأمم قامت لتتولى الدفاع وردّ العدوان عن المستضعفين، فلا حاجة إلى استبقاء مبدأ الحرب الدفاعية أيضا.
وليس سرا خافيا أن الأمر الذي يدعوهم إلى هذا الكيد والتضليل في البحث، إنما هو الخوف الشديد لدى الدول الأجنبية- غربيها وشرقيها على السواء- من أن يعود فيستيقظ في نفوس المسلمين معنى الجهاد في سبيل الله، ثم يتصل هذا المعنى بجذوة الإيمان في قلوبهم! .. فلئن تمّ هذا، فسيتم عندئذ لا محالة انهيار الحضارة الغربية مهما تطاول بنيانها.
ولقد نضجت عقلية الرجل الأوروبي لمعانقة الإسلام بمجرد أن يسمع دعوة خالصة إليه، فكيف بالدعوة الخالصة تتلوها تضحية وجهاد؟! ..
[حكمة مشروعية هذه المرحلة:]
ولعلك تسأل الآن، فما هي الحكمة من أن يساق المشرك أو الملحد إلى الإسلام سوقا؟
وكيف يمكن أن تفهم عقلية القرن العشرين مثل هذه الشرعة؟! ..
والجواب أنا نتساءل: فما الحكمة من أن يحمل الفرد الواحد من الدولة حملا على الخضوع لنظامها وفلسفتها، رغم ما يملكه من الحرية الحقيقية وما يتمتع به من حقيقة المساواة مع غيره من عامة أفراد الدولة حكاما ورعايا؟! ..
إن الإنسان إنما خلق فوق هذه الأرض ليقيم عليها دولة الله تعالى وحكمه فتلك هي حكمة وجوده وهي المعنى المقصود بالخلافة في قوله تعالى: وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً
[البقرة ٢/ ٣٠] . وفلسفة هذه الدولة قائمة على حقيقة العبودية لله تعالى وحده، ونظامها قائم على الإذعان بأن الحاكمية هي لله وحده، لأنه وحده مالك الإنسان ومالك كل شيء لأنه هو وحده قيوم السموات والأرض.
فكيف يعقل أن يكون لدولة يقوم عليها عبيد مملوكون لله، حق إلزام رعاياهم بالخضوع لما يرونه لهم من النظم والمبادئ والأحكام، ثم لا يكون لخالق هؤلاء كلهم الحق في أن يلزمهم بالخضوع