للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لسلطانه والتحول عن كل عقيدة ودين إلى دينه؟! .. وإذا كان الإنسان هو خليفة الله تعالى في تطبيق أوامره وأحكامه في الأرض، فهل يكون الإلزام بالخضوع لسلطانه وحكمه إلا بواسطة الإنسان إذ يدخل في دينه ويبايع الله تعالى على بذل النفس والمال في سبيل إقامة الحكم والمجتمع الإسلامي اللذين إنما خلق الإنسان لإقامتهما.

وليس من المهم بعد أن تفهم هذا، أن يكون في القرن العشرين عقول لا تريد أن تستسيغ هذا أو تفهمه، لأن من الطبيعي أن تكون ثمة عقول من هذا النوع، ما دام أن هناك أمشاجا وأخلاطا من الناس يحترفون مهمة الغزو الفكري بغية حقن الشعور الإسلامي في العالم بالحقن المتوالية المخدرة والمنومة. وهم ليسوا مشفقين على الحرية الإنسانية بمقدار ما يتربصون بها.

وليت شعري أي قيمة توجد للحرية عند أولئك الذين يظلون يكذبون على أنفسهم وعلى شعوبهم، إذ يصورون لهم الإسلام بالصور الكاذبة المنفرة، ويصورون لهم المسلمين همجا من الناس لا يزالون يعيشون في البوادي مع الإبل والأنعام، كي يصدوا بذلك تطلعاتهم الفكرية إلى فهم الإسلام ويحبسوا دوافع البحث عندهم ضمن خيوط عنكبوتية حقيرة. حتى لا يطلعوا على حقيقة الإسلام فيؤمنوا به، فتدول بذلك دولة البغي على الإنسان في أتعس أشكاله القذرة.

على أنه ينبغي أن لا يفوتك أن الدعوة السلمية بالحكمة والمناقشة والموعظة الحسنة في كل مجال ومكان، أمر لا بد منه إلى أمد طويل قبل ذلك وحينما ينفذ المسلمون أمر هذه الدعوة على حقيقتها ستزداد يقينا بأن الإسلام دين الفطرة وأن الناس- من أي قوم كانوا- سيجدون في هذا الدين ضالتهم المنشودة. ولن يستمر على التخلف عنه إلا الحاقدون، وذلك أكبر دليل على عدوان مبيت في نفوسهم على الإسلام ودعاته.

كما ينبغي أن لا يفوتك أن أمر هذا الإلزام الذي ذكرناه، إنما هو خاص بالملحدين والمشركين والوثنيين ومن لف لفهم. أما أهل الكتاب فلا يلزمون- كما تعلم- إلا بالخضوع لنظام المجتمع الإسلامي، اعتمادا على أن إيمانهم بالله تعالى مع احتكاكهم بالمسلمين ومعايشتهم له سينبههم إلى جادة الصواب ويحملهم على تقويم العقيدة.

ثم إن في قصة الكتب التي أرسلها صلّى الله عليه وسلم إلى الملوك والرؤساء دلالات وأحكاما كثيرة نجملها فيما يلي:

أولا: أن الدعوة التي بعث بها رسول الله صلّى الله عليه وسلم، إنما بعث بها إلى الناس كافة، لا إلى قوم بأعيانهم، وأن رسالته إنما هي إنسانية شاملة ليس لها طابع عنصرية أو قومية أو جماعة معينة، ولذلك اتجه صلّى الله عليه وسلم بدعوته يبلغها إلى كل حكام الأرض وملوكها، روي عن أنس رضي الله عنه:

<<  <   >  >>