قال:«أيها الناس إنا نظرنا في أمر هذه الأمة فلم نر أمرا أصلح لها ولا ألّم لشعثها من رأي اتفقت أنا وعمرو عليه، وهو أنا نخلع عليا ومعاوية» ثم تنحّى وجاء عمرو فقام مقامه وحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:«إن هذا قد قال ما سمعتم، وإنه قد خلع صاحبه وإني قد خلعته كما خلعه، وأثبت صاحبي معاوية، فإنه وليّ عثمان بن عفان والطالب بدمه وهو أحق الناس بمقامه» .
وتفرق الناس، على إثر هذا، كل إلى بلده. وأما عمرو وأصحابه فدخلوا على معاوية فسلموا عليه بالخلافة، وأما أبو موسى فاستحيى من علي فذهب إلى مكة. ورجع ابن عباس وشريح بن هانئ إلى عليّ فأخبراه بالأمر «٨» .
[أمر الخوارج ومقتل علي رضي الله عنه:]
لما بعث علي أبا موسى ومن معه من الجيش إلى دومة الجندل، اشتدّ أمر الخوارج وبالغوا في النكير على عليّ بل صرّحوا بكفره لقبوله التحكيم، مع أنهم كانوا من أحرص الناس عليه.
ولم يجد شيئا محاورة علي رضي الله عنه لهم ونصيحته إياهم، فقال لهم أخيرا:«إن لكم علينا أن لا نمنعكم مساجدنا ما لم تخرجوا علينا، ولا نمنعكم نصيبكم من هذا الفيء ما دامت أيديكم مع أيدينا، ولا نقاتلكم حتى تقاتلونا» .
ثم توجه عليّ رضي الله عنه بجيش كبير قاصدا الشام لحرب معاوية، بعد أن أعلن عن رفضه لحكم الحكمين.. ولكن بلغه أن الخوارج قد عاثوا في الأرض فسادا وسفكوا الدماء وقطعوا السبل واستحلوا المحارم، وقتلوا فيمن قتلوا عبد الله بن خباب صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلم وامرأته وهي حبلى! .. وعندئذ خشي علي رضي الله عنه ومن معه إن هم ذهبوا إلى بلاد الشام واشتغلوا بقتال معاوية ومن معه أن يتسلط هؤلاء الخوارج على أهليهم وذراريهم بهذا الصنيع، فاتفقوا مع علي رضي الله عنه أن يبدؤوا بهؤلاء.
فاتجه إليهم عليّ رضي الله عنه بمن معه من أصحابه، ولما قارب المدائن أرسل إلى الخوارج في النهروان: أن ادفعوا إلينا قتلة إخواننا منكم، حتى نقتلهم، ثم إنا تاركوكم، وسائرون إلى الشام فلعلّ الله أن يردّكم إلى خير مما أنتم عليه. فبعثوا إلى عليّ يقولون: كلنا قتل إخوانكم وإنا مستحلّون دماءهم ودماءكم، وعندئذ تقدّم إليهم عليّ فنصحهم ووعظهم وأنذرهم، فلم يكن لهم من جواب إلا أن تنادوا فيما بينهم أن يتهيؤوا للقتال وللقاء ربّ العالمين.
وقبل أن يبدأ القتال أمر عليّ أبا أيوب الأنصاري أن يرفع راية الأمان للخوارج، وأن يقول لهم: من جاء إلى هذه الراية فهو آمن، ومن انصرف إلى الكوفة والمدائن فهو آمن، فانصرف منهم