قضاؤه في ذلك، ولعل في ذلك مزيدا من بيان ما اختص الله تعالى به نبيه عليه الصلاة والسلام من الحفظ والعصمة من أيدي الناس وكيدهم، تنفيذا لوعده جلّ جلاله: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [المائدة ٥/ ٦٧] .
ولقد ذكرنا أن الرواة اختلفوا: هل أسلمت المرأة اليهودية أم لا؟، والذي يغلب- على ما جزم به الزهري وغيره- أنها قد أسلمت، ولذلك لم يقتلها صلّى الله عليه وسلم على ما ذكره مسلم.
لا يقال، إن القصاص كان يقتضي قتلها، لأن القاعدة المتفق عليها: أن الإسلام يجبّ ما قبله، فالقتل الذي استوجب القصاص، هو ما كان واقعا بعد إسلام القاتل أما ما قبله فالأمر في ذلك راجع إلى الحرابة، ومعلوم أن الحرابة تنتهي بالدخول في الإسلام.
ثم إن يهود خيبر مكثوا يزرعون الأرض على النصف من نتاجها، إلى أن كانت خلافة عمر رضي الله عنه، فقتلوا أحد الأنصار وعدوا على عبد الله بن عمر ففدعت يداه، فقال رضي الله عنه للناس:«إن رسول الله صلّى الله عليه وسلم كان قد عامل يهود خيبر على أن نخرجهم إذا شئنا، وقد عدوا على عبد الله بن عمر ففدعوا يديه كما قد بلغكم، مع عدوهم على الأنصاري قبله، لا نشك أنهم أصحابه، ليس لنا عدو غيرهم فمن كان له مال بخيبر فليلحق به، فإني مخرج يهود» .
وهكذا تمّ إخراج اليهود من الجزيرة العربية، ولولا بغيهم وعدوانهم واستكبارهم على الحق لما طوردوا ولما أخرجوا. ولكن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده، والعاقبة للمتقين.
[سرايا إلى القبائل.. وكتب إلى الملوك]
ثم أخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلم يبعث السرايا من أصحابه إلى مختلف قبائل الأعراب المنتشرة في الجزيرة العربية لتقوم بوظيفة الدعوة إلى الإسلام فإن لم يستجيبوا قاتلوهم على ذلك.
ولقد كانت هذه السرايا خلال العام السابع للهجرة، وتبلغ عدتها عشرة سرايا أرسلها النبي صلّى الله عليه وسلم بإمرة مختلف الصحابة.
وفي هذه الفترة نفسها، بدأ النبي عليه الصلاة والسلام يبعث كتبا إلى مختلف ملوك ورؤساء العالم يدعوهم فيها إلى الإسلام ونبذ ما هم عليه من الأديان الباطلة.
روى ابن سعد في طبقاته: «أنه صلّى الله عليه وسلم لما رجع من الحديبية في ذي الحجة سنة ست، أرسل الرسل إلى الملوك يدعوهم إلى الإسلام، وكتب إليهم كتبا، فقيل: يا رسول الله، إن الملوك لا يقرؤون كتابا إلا مختوما. فاتخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلم يومئذ خاتما من فضة نقشة ثلاثة أسطر: محمد رسول الله، وختم به الكتب. فخرج ستة نفر في يوم واحد، وذلك في المحرم سنة سبع، وكان كل رجل منهم يتكلم بلسان القوم الذين بعثه إليهم.