برديء أو غيره من المطعومات بمثله، إلى وسيلة أخرى سائغة لا ربا فيها، وهي أن يبيع الرديء بالدراهم ثم يشتري بها الجيد الذي يبتغيه. ولا يضيره في شيء، إنه إنما يريد أن يتوسل بالبيع، إلى شيء آخر كان محرما في الأصل وأنه لا يقصد البيع لذاته، لأن الرسول صلّى الله عليه وسلم سوغ ذلك. وإنما المحرم ما قد نهى عنه الكتاب أو نهت عنه السنة نهيا جازما.
والحكم الذي يستنتج من هذا، أنه يجوز التوصل إلى استباحة حكم محرّم بواسطة مشروعة لذلك، ولا يعتبر ذلك حيلة محرمة، فيجوز أن ينكح الرجل امرأة مطلقة بقصد تحليلها لزوجها السابق إذا لم يشترط ذلك في العقد، ويجوز أن يعطي صاحب الدين زكاة ماله للمدين الذي عجز عن إبراء ذمته نحوه، ثم يسترده منه عن دينه.
ولا عبرة لمخالفة ابن القيم في هذا، محتجا بأن الأعمال بمقاصدها، وأن الذي باع، قاصدا شيئا آخر غير ما شرع له البيع، والذي نكح قاصدا غير الذي شرع له النكاح، متلبسان بفعل باطل لأنهما حوّلا الحكم عن غايته إلى غاية أخرى لم يشرع لها ذلك الحكم، نقول لا عبرة لكلامه هذا، لأنه يناقض حديث البخاري الذي ذكرناه مناقضة صريحة والقواعد الفقهية إنما تأتي من وراء النصوص لا من فوقها، ولأن ابن القيم ناقض نفسه مناقضة في منتهى الغرابة والعجب بصدد هذا البحث في كتابه أعلام الموقعين. فقد أطال في ذم تحريم بعض الصور التي سماها حيلا محرمة وأطنب في تفنيد آراء الأئمة القائلين بصحتها، وتوعد بأن لهم مواقف عصيبة بين يدي الله يوم القيامة. ثم ما لبث بعد بضع صفحات أن راح يسوّغها ويضرب المثل بها للحيل الشرعية الصحيحة، وكأنه ليس هو الذي أطنب قبل قليل في تفنيدها والتحذير منها «٢٥» .
*** ثم إن في هذه الغزوة حادثتين، كل منهما ثابت بالحديث الصحيح، تعدان من الخوارق العظيمة التي أيد الله بها محمدا صلّى الله عليه وسلم.
الأولى: أنه صلّى الله عليه وسلم تفل في عين علي رضي الله عنه وقد كان يشتكي منها، فبرأت في الوقت نفسه حتى كأن لم يكن به وجع.
الثانية: ما أوحى الله إليه من أمر الشاة المسمومة عندما أراد الأكل منها. ولأمر ما سبق قضاء الله تعالى فابتلع بشر بن البراء لقمته قبل أن ينطق رسول الله صلّى الله عليه وسلم بأنها مسمومة، فكان
(٢٥) انظر أعلام الموقعين: ٣/ ٢٩٢ ط التجارية عندما يتحدث عن حيلة التوسل بالخلع لدرء الطلاق قائلا: هذه الحيلة باطلة شرعا.. إلخ ثم انظر ٤/ ١١٠ منه، لتجد كيف يسوغ هذه الحيلة ويوجهها بعشرة أوجه من الأدلة المعتبرة عنده. وانظر ما قبل ذلك وبعده لتجد صورا من التناقض العجيب! وإذا أردت التوسع في بحث ما يسمى بالحيل الشرعية وأثر المقاصد في العقود والأحكام، فارجع إلى تفصيل ذلك في كتابي: ضوابط المصلحة في الشريعة الإسلامية من ص ٢٩٣ إلى ٣٢٤