للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والراجح لدى التأمل في مجموع الأدلة، صحة كل من عقد المساقاة والمزارعة فقد قالوا في بيانه: إن النهي كان في أول الأمر لحاجة الناس وكون المهاجرين ليست لهم أرض، فأمر النبي صلّى الله عليه وسلم الأنصار بالتكرم بالمواساة، ويدل له ما أخرجه مسلم من حديث جابر قال: «كان لرجال من الأنصار فضول أرض، وكانوا يكرونها بالثلث والربع فقال النبي صلّى الله عليه وسلم: من كانت له أرض فليزرعها أو ليمنحها أخاه، فإن أبى فليمسكها» ، ثم بعد توسّع حال المسلمين زال الاحتياج فأبيحت لهم المزارعة وأن يتصرف المالك في ملكه كما يشاء. ويدل على ذلك ما وقع من المزارعة والمؤاجرة في عهده صلّى الله عليه وسلم وعهد الخلفاء من بعده.

خامسها: (مشروعية تقبيل القادم والتزامه) ، وهو مما لا نعلم فيه خلافا معتدا به إذا كان قادما من سفر أو طال العهد به، واستدل العلماء في ذلك بتقبيل رسول الله صلّى الله عليه وسلم جعفر بن أبي طالب بين عينيه والتزامه إياه عند قدومه من الحبشة، والحديث رواه أبو داود بسند صحيح، وروى الترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت: «قدم زيد بن حارثة المدينة ورسول الله صلّى الله عليه وسلم في بيتي فأتاه فقرع الباب، فقام إليه النبي صلّى الله عليه وسلم يجرّ ثوبه، فاعتنقه وقبله» .

ويشكل عليه في الظاهر ما رواه الترمذي أيضا عن أنس رضي الله عنه قال: «قال رجل:

يا رسول الله، الرجل منا يلقى أخاه أو صديقه أينحني له؟ قال: لا، قال: أفيلتزمه ويقبله؟؟ قال: لا. قال: فيأخذ بيده ويصافحه؟ قال: نعم» .

وجواب الإشكال أن سؤال الرجل في هذا الحديث عن اللقاءات العادية المتكررة بين الرجل وصاحبه، والتقبيل أو الالتزام أمر غير مرغوب فيه في مثل هذه الحال، أما ما فعله رسول الله صلّى الله عليه وسلم من ذلك بالنسبة لجعفر وزيد فإنما كان ذلك- كما قد علمت- على أثر قدوم من سفر فالحالتان مختلفتان.

سادسها: (حرمة ربا الفضل في المطعومات) ، وهو أن يتبادل اثنان مطعومين من جنس واحد مع تفاضل بينهما. وقد نهى عنه رسول الله صلّى الله عليه وسلم بأحاديث كثيرة صحيحة منها ما رواه مسلم عن عبادة بن الصامت قال: «سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم ينهى عن بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة والتمر بالتمر والبر بالبر والشعير بالشعير والملح بالملح إلا سواء بسواء عينا بعين فمن زاد أو استزاد فقد أربى» . ومنها ما رويناه عن البخاري من نهي النبي صلّى الله عليه وسلم عن مبادلة التمر الجيد بالتمر الرديء مفاضلة.

وليس هذا مجال البحث في الحكمة من تحريم هذا التبادل واعتباره ربا محرما، فمجال ذلك المطولات من كتب الفقه.

ولكن الذي ينبغي التنبيه إليه هنا، هو أن النبي صلّى الله عليه وسلم أرشد من يريد أن يستبدل تمرا جيدا

<<  <   >  >>