للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رابعا: ذهب الحنفية، ما عدا زفر، إلى أن الرجل إذا نذر ماله كله صدقة على المساكين، لم يلزمه التصدق إلا بالأموال الزكوية فقط، ولهم أدلة على ذلك، لعلّ من جملتها ما أجاب به رسول الله صلّى الله عليه وسلم كعبا حينما قال له: «إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة لله ورسوله، فقد قال له: أمسك عليك بعض مالك» .

والذين ذهبوا إلى أن كلّ ماله يصبح صدقة إذا نذره كله، قالوا: إن قول كعب لرسول الله صلّى الله عليه وسلم ليس في حقيقته إنشاء لصيغة نذر، ولكنه استشارة له عليه الصلاة والسلام، فأخبره صلّى الله عليه وسلم أن بعض ذلك يجزيه «١١٥» . ولعل هذا هو الأقرب في فهم سياق كلام كعب رضي الله عنه وجواب الرسول صلّى الله عليه وسلم له.

[حج أبي بكر رضي الله عنه بالناس سنة تسع]

لما قفل رسول الله صلّى الله عليه وسلم عائدا من تبوك، أراد الحج، ثم قال: «إنما يحضر المشركون فيطوفون عراة فلا أحب أن أحج حتى لا يكون ذلك» . فأرسل أبا بكر رضي الله عنه وأردفه بعليّ رضي الله عنه، ينهيان المشركين عن الحج بعد ذلك العام، ويعطيانهم مهلة للدخول في الإسلام أربعة أشهر، ثم ليس بينهم وبين المسلمين إلا القتال.

روى البخاري في كتاب المغازي عن أبي هريرة أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه بعث في الحجة التي أمّره عليها النبي صلّى الله عليه وسلم، قبل حجة الوداع يوم النحر في رهط يؤذن في الناس: «لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان» .

وروى محمد بن كعب القرظي وغيره أن النبي صلّى الله عليه وسلم بعث أبا بكر أميرا على الموسم سنة تسع من الهجرة، وبعث علي بن أبي طالب بثلاثين أو أربعين آية من براءة، فقرأها على الناس، يؤجل المشركين- أي يمهلهم- أربعة أشهر يسيحون في الأرض، فقرأها عليهم يوم عرفة، أجّلهم عشرين من ذي الحجة، والمحرم، وصفر، وشهر ربيع الأول، وعشرا من ربيع الآخر، وقرأها عليهم في منازلهم وقال: «لا يحجّنّ بعد عامنا مشرك ولا يطوفن بالبيت عريان» .

وروى الإمام أحمد عن محرز بن أبي هريرة عن أبيه قال: «كنت مع علي بن أبي طالب حين بعثه رسول الله صلّى الله عليه وسلم إلى أهل مكة ببراءة، فقال: ما كنتم تنادون؟ قال: كنا ننادي أنه لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة، ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان بينه وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلم عهد فإن أجله أو مدته أربعة أشهر، فإذا مضت الأربعة الأشهر فإن الله بريء من المشركين ورسوله، ولا يحج هذا البيت بعد عامنا هذا مشرك، قال: فكنت أنادي حتى صحل صوتي» .


(١١٥) راجع المبسوط للسرخسي: ١٢/ ٩٣، وزاد المعاد لابن القيم: ٣/ ٢٣، وضوابط المصلحة للمؤلف: ٢٤٤ و ٨٤ م

<<  <   >  >>