هذا، وما دام البحث سيسوقنا منذ الآن، إلى الحديث عن الجهاد والقتال، فمن الجدير أن نقف هنا قليلا، لنتبيّن فكرة صحيحة عن الجهاد ومشروعيته ومراحله.
فقد كان الحديث عنه ولا يزال أهم تكأة يعتمد عليها محترفو الغزو الفكري في خلط حق بباطل وفي محاولة فتح الثغرات في جوانب صرح هذا الدين الحنيف بغية التشكيك فيه والنيل منه.
ولن تعجب من الدوافع إلى حصر كل همهم في مشروعية (الجهاد) بخصوصه، إذا علمت بأن أخطر ركن من أركان الإسلام في نظر أعدائه يخيفهم ويرعبهم، إنما هو (الجهاد) !. فهم يدركون أن هذا الركن إذا استيقظ في نفوس المسلمين وأصبح ذا أثر في حياتهم في أي عصر من الزمن فلن تقف أي قوة بالغة ما بلغت من الأهمية، في وجه الدفع الإسلامي. ولذا ينبغي أن يكون البدء في القيام بأي عمل، بغية إيقاف المدّ الإسلامي، من هذه النقطة ذاتها..
وسنوضح في هذه الكلمة أولا معنى الجهاد وغايته في الإسلام والمراحل التي تدرج فيها ثم المرحلة التي استقر عندها. ثم نبين المغالطات التي دخلت مفهومه والتقسيمات المتكلفة التي حملت عليه مما لا وجه له البتة.
أما معنى الجهاد: فهو بذل الجهد في سبيل إعلاء كلمة الله وإقامة المجتمع الإسلامي، وبذل الجهد بالقتال نوع من أنواعه. وأما غايته، فهو إقامة المجتمع الإسلامي وتكوين الدولة الإسلامية الصحيحة.
وأما المراحل التي مرّ بها، فقد كان الجهاد في صدر الإسلام، كما علمنا، مقتصرا على الدعوة السلمية مع الصمود في سبيلها للمحن والشدائد. ثم شرع إلى جانبها- مع بدء الهجرة- القتال الدفاعي، أي رد كل قوة بمثلها.
ثم شرع بعد ذلك قتال كل من وقف عقبة في طريق إقامة المجتمع الإسلامي، على أن لا يقبل من الملاحدة والوثنيين والمشركين إلا الإسلام وذلك لعدم إمكان الانسجام بين المجتمع الإسلامي الصحيح وما هم عليه من الإلحاد أو الوثنية، أما أهل الكتاب فيكفي خضوعهم للمجتمع الإسلامي وانضواؤهم في دولته على أن يدفعوا للدولة ما يسمى (الجزية) مكان ما يدفعه المسلمون من الزكاة.
وعند هذه المرحلة الأخيرة استقر حكم الجهاد في الإسلام. وهذا هو واجب المسلمين في كل عصر إذا توفرت لديهم القوة والعدة اللازمة. وعن هذه المرحلة يقول الله تعالى: قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ [التوبة ٩/ ١٢٣] ، وعنها أيضا