للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شكوى الرّسول صلّى الله عليه وسلم ولحاقه بالرّفيق الأعلى

[بعث أسامة بن زيد إلى البلقاء]

ما إن عاد رسول الله صلّى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة حتى أمر المسلمين بالتهيؤ لغزو الروم، واختار رسول الله صلّى الله عليه وسلم لإمرة هذا الغزو أسامة بن زيد رضي الله عنه، وكان رضي الله عنه شابا حدثا، فأمره صلّى الله عليه وسلم أن يسير إلى موضع مقتل أبيه زيد بن حارثة، وأن يوطئ الخيل تخوم البلقاء والداروم من أرض فلسطين، وذلك مع بدء شكواه صلّى الله عليه وسلم من مرضه الذي توفي فيه.

ولكن المنافقين راحوا يقولون مستنكرين: أمّر غلاما حدثا على جلّة المهاجرين والأنصار «١» ! فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم إلى الناس وقد عصب رأسه وخطب فيهم قائلا:

«إن تطعنوا في إمارة أسامة بن زيد فقد طعنتم في إمارة أبيه من قبله. وايم الله إن كان لخليقا بها، وايم الله إن كان لأحب الناس إليّ، وايم الله إنّ هذا لها لخليق- يريد أسامة بن زيد-، وايم الله إن كان لأحبّهم إليّ من بعده فأوصيكم به فإنه من صالحيكم» «٢» .

فتجهز الناس، وأوعب مع أسامة المهاجرين والأنصار، وخرج أسامة بجيشه إلى ظاهر المدينة، فعسكر بالجرف (مكان على فرسخ من المدينة) .

(شكوى رسول الله صلّى الله عليه وسلم) وفي هذه الأثناء، اشتدت برسول الله صلّى الله عليه وسلم شكواه التي قبضه الله فيها، فأقام الجيش هناك، ينظرون ما الله قاض في هذا الأمر.

وكان ابتداء شكواه ما رواه ابن إسحاق وابن سعد عن أبي مويهبة مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلم، قال: «بعثني رسول الله صلّى الله عليه وسلم من جوف الليل، فقال: يا أبا مويهبة، قد أمرت أن أستغفر لأهل هذا البقيع، فانطلق معي. فانطلقت معه، فلما وقفنا عليهم قال: السلام عليكم يا أهل المقابر، ليهن لكم ما أصبحتم فيما أصبح الناس فيه، أقبلت الفتن مثل قطع الليل المظلم يتبع آخرها أولاها، الآخرة شرّ من الأولى. ثم أقبل عليّ فقال: إني قد أعطيت مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها،


(١) كان أسامة إذ ذاك ابن ثماني عشرة سنة أو عشرين، على اختلاف في ذلك.
(٢) متفق عليه، واللفظ لمسلم ٧/ ١٣١

<<  <   >  >>