وعمره الذي أمضاه في سبيل نشر شريعة ربه جلّ جلاله، وذلك حينما ينظر فيرى حصيلة الجهد الذي قدّم والعمر الذي بذل، أصواتا ترتفع وتعج بتوحيد الله، وجباها تعنو ساجدة لدين الله وقلوبا خفاقة تجيش بحب الله. ألا ما أسعد حبيب الله إذ ذاك بذكرى ما لقيه من ظمأ الهواجر، وشتات السفر في القفار، وعذاب السخرية والإيذاء، في سبيل هذا الإيمان الذي شاده فوق أرض الله! .. فلتكتحل به عيناك يا سيدي سعادة وسرورا، وليبارك لك ربك في وجيب قلبك اليوم حمدا ونشوة وحبورا.
ولا والله، ما كان ذلك شهادة تلك الآلاف المحتشدة من حولك فحسب، يا سيدي رسول الله. ولكنها شهادة المسلمين في كل جيل وعصر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها تعلن بلسان حالها ومقالها: نشهد يا رسول الله أنك قد بلغت وأديت ونصحت، فجزاك الله عنا خير ما جوزي نبي عن أمته.
ولكن مسؤولية الدعوة قد انتقلت من بعدك إلى أعناقنا، وما أبعدنا اليوم عن القيام بحقها، وما أشد خيبتنا بلقائك يا سيدي غدا، وإن علينا أوزارا من التقاعس والتكاسل والركون إلى زهرة الحياة الدنيا، بينما يلتفّ من حولك أصحابك البررة الكرام وإن في أيديهم وعلى أبدانهم شهادة الدم الذي سفكوه والجهد الذي بذلوه والدنيا التي حطموها تحت أقدامهم نصرة لشريعتك ودفاعا عن دعوتك وتأسيا بجهادك.
أصلح الله حالنا وحال المسلمين جميعا، وأيقظنا من سكرة الدنيا ونشوة الشهوات والأهواء، وتغمدنا بلطفه وكرمه وجوده.
وأتم صلّى الله عليه وسلم حجه، وتضلع من شرب ماء زمزم، وعلّم الناس مناسكهم، ثم عاد أدراجه إلى المدينة، ليواصل السعي والجهاد في سبيل دين الله عز وجل.