للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[خبر إسلام عدي بن حاتم]

كان عدي بن حاتم نصرانيا، وهو ابن حاتم الجواد المشهور، وكان امرءا شريفا في قومه، وكان يأخذ من قومه المرباع، (وهو ربع ما يصلهم من غنائم الحروب. كان العرب يجعلون ذلك للرئيس منهم) فلما سمع برسول الله صلّى الله عليه وسلم ودعوته، كره دعوته، وترك قومه ولحق بنصارى الشام.

قال عديّ: «فكرهت مكاني هناك أشد من كراهتي له (أي لرسول الله صلّى الله عليه وسلم) فقلت: لو أتيته فإن كان ملكا أو كاذبا لم يخف عليّ، وإن كان صادقا اتبعته.

فخرجت حتى أقدم على رسول الله صلّى الله عليه وسلم المدينة، فدخلت عليه وهو في مسجده، فسلّمت عليه، فقال: من الرجل؟ فقلت: عديّ بن حاتم!

فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلم فانطلق بي إلى بيته، فو الله إنه لعامد بي إليه (أي قاصد بي إلى الدار) إذ لقيته امرأة ضعيفة كبيرة فاستوقفته، فوقف لها طويلا، تكلمه في حاجتها، فقلت في نفسي:

والله ما هذا بملك!

ثم مضى بي رسول الله صلّى الله عليه وسلم حتى إذا دخل بي بيته، تناول وسادة من أدم محشوّة ليفا فقذفها إليّ فقال: اجلس على هذه، قلت: بل أنت فاجلس عليها. فقال: بل أنت. فجلست عليها، وجلس رسول الله صلّى الله عليه وسلم على الأرض.

فقلت في نفسي: والله ما هذا بأمر ملك. ثم قال: إيه يا عديّ بن حاتم، هل تعلم من إله سوى الله؟ قلت: لا. ثم قال: هل تعلم شيئا أكبر من الله؟ قلت: لا. قال: ألم تكن ركوسيا؟ (قوم لهم دين بين النصارى والصابئة) قلت: بلى. قال: أو لم تكن تسير في قومك بالمرباع؟ قلت: بلى. قال: فإن ذلك لم يكن يحلّ في دينك. قلت: أجل والله.

ثم قال: لعلك يا عديّ إنما يمنعك من دخول في هذا الدين ما ترى من حاجة أهله، فو الله ليوشكن المال أن يفيض فيهم حتى لا يوجد من يأخذه، ولعلك إنما يمنعك من دخول فيه ما ترى من كثرة عدوّهم وقلة عددهم، فو الله ليوشكن أن تسمع بالمرأة تخرج من القادسية على بعيرها حتى تزور هذا البيت لا تخاف، ولعلك إنما يمنعك من دخول فيه أنك ترى أن الملك والسلطان في غيرهم، وايم الله ليوشكن أن تسمع بالقصور البيض من أرض بابل قد فتحت عليهم! .. قال:

فأسلمت.

<<  <   >  >>