جاوز الحزام الطبيين وبلغ السيل الزبى. والله لإقامة على خطيئة يستغفر منها، خير من توبة خوفا عليها.. وإنك لو شئت لعزمت التوبة ولم تقرّ لنا بالخطيئة.
ثم أخبره مروان أن بالباب جمعا من الناس، ففوضه عثمان أن يخرج إليهم فيكلّمهم كما يشاء، فخرج مروان وقال كلاما سيئا أفسد به ما أصلحه عثمان بحديثه إلى الناس، فقد قال لهم فيما قال:
«جئتم تريدون أن تنزعوا ملكنا من أيدينا، اخرجوا عنا، أما والله لئن رمتمونا ليمرن عليكم أمر يسوؤكم ولا تحمدون غبّه» .
ولما علم عليّ بالخبر، جاء مغضبا حتى دخل على عثمان فقال له: «أما رضيت من مروان ولا رضي منك إلّا بتحويلك عن دينك وعقلك؟ والله ما مروان بذي رأي في دينه ولا في نفسه.
وايم الله إني لأراه سيوردك ثم لا يصدرك، وما أنا بعائد بعد هذا لمعاتبتك» .
فلما خرج عليّ دخلت نائلة على عثمان، وكانت تسمع كلام عليّ له، فقالت له: أتكلم أم أسكت؟ فقال تكلمي. قالت: سمعت قول عليّ أنه ليس يعاودك، وقد أطعت مروان حيث شاء. قال: فأشيري عليّ. قالت: تتقي الله وحده لا شريك له، وتتبع سنّة صاحبيك من قبلك. فإنك متى أطعت مروان قتلك. ومروان ليس له عند الله قدر ولا رهبة ولا محبة.
فأرسل إلى عليّ فاستصلحه فإن له قرابة منك وهو لا يعصى.
فأرسل عثمان إلى عليّ، فأبى أن يأتيه. وقال: لقد أعلمته أني لست بعائد.
كان هذا الموقف بداية العقدة التي أشعلت نيران الفتنة، ويسرت للمختبئين والمتربصين، سبيلا وأي سبيل لإذكاء وقودها، والوصول بها إلى أسوأ المآرب المطلوبة.
[أول الفتنة، ومقتل عثمان:]
تولى عثمان الخلافة اثنتي عشرة سنة، لا ينقم الناس عليه شيئا، بل كان أحب إلى كثير من القرشيين، من عمر بن الخطاب، لأن عمر كان شديدا عليهم، أما عثمان فلان لهم وواصلهم..
ولكنهم تغيروا له لما أخذ يستعمل أقاربه وأهل بيته- كما سبق أن أوضحنا-. وكان يتأول عثمان في ذلك صلة الرحم التي أمر الله بها، وقد انتهى هذا الأمر بمقتل عثمان رضي الله عنه.
وقد أخرج ابن عساكر عن الزهري قال: قلت لسعيد بن المسيب، هل أنت مخبري كيف قتل عثمان؟ وما كان شأن الناس وشأنه؟ فقال ابن المسيب: قتل عثمان مظلوما، ومن قتله كان ظالما، ومن خذله كان معذورا. ثم إن ابن المسيب قصّ على الزهري أسباب مقتله وكيفية ذلك، ونحن نذكره هنا مختصرا:
جاء أهل مصر يشكون من ابن أبي سرح، فكتب عثمان إليه كتابا ينصحه ويتهدده فيه.
فأبى ابن أبي سرح أن يقبل ما نهاه عنه عثمان وأغلظ في معاملة من ذهبوا فشكوه..