أن على المسلمين أن يقدموا رجلا إذا غاب الإمام يقوم مقامه إلى أن يحضر» . كما دلت هذه التوصية على مشروعية اجتهاد المسلمين في حياة النبي صلّى الله عليه وسلم.
ثالثا: لقد رأيت أن النبي صلّى الله عليه وسلم نعى لأصحابه زيدا وجعفر وابن رواحة وعيناه تذرفان وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلم وبينهم مسافات شاسعة بعيدة! ..
وهذا يدل على أن الله تعالى قد زوى لرسوله الأرض، فأصبح يرى من شأن المسلمين الذين يقاتلون على مشارف الشام، ما حدث أصحابه به، وهي من جملة الخوارق الكثيرة التي أكرم الله بها حبيبه صلّى الله عليه وسلم.
كما يدل هذا الحديث نفسه على مدى شفقته على أصحابه، فلم يكن شيئا قليلا أن يبكي رسول الله صلّى الله عليه وسلم وهو واقف في أصحابه يحدثهم عن خبر هؤلاء الشهداء. وأنت خبير أن بكاءه صلّى الله عليه وسلم عليهم، لا يتنافى مع الرضى بقضاء الله تعالى وقدره فإن العين لتدمع والقلب ليحزن- كما قال عليه الصلاة والسلام- وتلك رقة طبيعية ورحمة فطر الله الإنسان عليهما.
رابعا: وحديث نعيه صلّى الله عليه وسلم لهؤلاء الشهداء الثلاثة، يسجل فضلا خاصا لخالد بن الوليد رضي الله عنه، فقد قال لهم في آخر حديثه:«حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله حتى فتح عليهم» . وتلك أول وقعة يحضرها خالد رضي الله عنه في صف المسلمين، إذ لم يكن قد مضى على إسلامه إلا مدة يسيرة. ومن هنا تعلم أن الرسول صلّى الله عليه وسلم، هو الذي سجل لقب سيف الله، لخالد رضي الله عنه.
ولقد أبلى رضي الله عنه، في هذه الغزوة بلاء رائعا، روى البخاري عنه رضي الله عنه قال:
«لقد انقطعت في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف، فما بقي في يدي إلا صفيحة يمانية» . قال ابن حجر: وهذا الحديث يدل على أن المسلمين قد قتلوا من المشركين كثيرا.
هذا، وأما سبب قول الناس للمسلمين بعد رجوعهم إلى المدينة:«يا فرّار، فررتم في سبيل الله» ، فهو أنهم لم يتبعوا الروم ومن معهم في هزيمتهم، وتركوا الأرض التي قاتلوا فيها كما هي ولم يكن ذلك شأنهم في الغزوات الأخرى، واكتفى خالد بذلك فكرّ عائدا إلى المدينة. ولكنه كما رأيت كان تدبيرا حكيما من خالد بن الوليد رضي الله عنه حفظا للمسلمين وهيبتهم التي انطبعت في أفئدة الروم، ولذلك ردّ النبي صلّى الله عليه وسلم عليهم قائلا:«ليسوا بالفرار ولكنهم الكرار، إن شاء الله» .
[فتح مكة]
وكان ذلك في شهر رمضان سنة ثمان من هجرة النبي صلّى الله عليه وسلم إلى المدينة.
وسببها أن أناسا من بني بكر، كلموا أشراف قريش في أن يعينوهم على خزاعة بالرجال والسلاح. (وخزاعة كانت قد دخلت في عهد المسلمين) ، فأجابوهم إلى ذلك، وخرج حشد من