للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خطة مدبرة من عليّ رضي الله عنه. وبلغ الأمر عليا وقال: ما للناس؟ فتصايح من حوله:

بيّتنا أهل البصرة وغدروا بنا. فثار كل فريق إلى سلاحه ولبسوا اللأمة وركبوا الخيل، دون أن يعلم أحد بواقع الأمر وحقيقته. وكان طبيعيا أن تقوم الحرب على ساق وأن يتبارز الفرسان، وقد اجتمع مع علي عشرون ألفا، والتفّ على عائشة ومن معها قرابة ثلاثين ألفا. هذا والسائبة أصحاب ابن السوداء قبّحه الله لا يفترون عن القتل، ومنادي عليّ ينادي: ألا كفوا، ألا كفوا، فلا يسمع أحد «٤» .

وفي تلك الأثناء، ومع شدّة الهرج والقتل، كان إذا تلاقت الوجوه المتعارفة تحت مظلة الإيمان والمشدودة إلى صحبة رسول الله صلّى الله عليه وسلم، تحاجزوا وكفّ كل منهم عن الآخر، من أي الأطراف كانوا.

روى البيهقي موصولا قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن القاضي يروي بسنده عن حرب بن الأسود الدؤلي قال: لما دنا عليّ وأصحابه من طلحة والزبير ودنت الصفوف بعضها من بعض، خرج عليّ وهو على بغلة رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فنادى: ادعوا لي الزبير بن العوام، فدعي له الزبير، فأقبل حتى اختلفت أعناق دوابّهما. فقال عليّ: يا زبير نشدتك الله أتذكر يوم مرّ بك رسول الله ونحن في مكان كذا وكذا، فقال: يا زبير ألا تحبّ عليا؟ فقلت: ألا أحبّ ابن خالي وابن عمي وعلى ديني؟ فقال: يا زبير أما والله لتقاتلنّه وأنت له ظالم. فقال الزبير: بلى، والله لقد نسيته منذ أن سمعته من رسول الله، ثم ذكرته الآن، والله لا أقاتلك أبدا. ورجع الزبير على دابته يشقّ الصفوف.

ولما سقط بعير عائشة رضي الله عنها على الأرض، وحمل هودجها بعيدا عن ساحة الهرج، جاء إليها عليّ رضي الله عنه مسلّما ومستفسرا عن حالها، وقال لها: كيف أنت يا أمه؟ قالت:

بخير. فقال: يغفر الله لك. ثم جاء وجوه الناس والصحابة يسلّمون عليها ويطمئنون على حالها «٥» .

أمر معاوية ووقعة صفّين:

رجع عليّ رضي الله عنه إلى الكوفة التي جعلها مقرّ خلافته، وأرسل فور وصوله جرير بن عبد الله البجلي إلى معاوية بالشام يدعوه إلى الدخول فيما دخل فيه الناس، ويعلمه باجتماع المهاجرين والأنصار على بيعته؛ ولكن معاوية كان يرى أن بيعة عليّ لم تنعقد لافتراق أهل الحل والعقد من الصحابة في الآفاق، ولا تتم البيعة إلا بهم جميعا، فامتنع من الاستجابة لدعوته رضي الله عنه، حتى يقتل قتلة عثمان، ثم يختار المسلمون لأنفسهم إماما.


(٤) تاريخ الطبري: ٤/ ٥٠٦، والبداية والنهاية: ٧/ ٢٤٠
(٥) البداية والنهاية: ٧/ ٢٤١

<<  <   >  >>