للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عائشة أم المؤمنين وطلحة والزبير وجمع كبير من الصحابة. ولم يكن عمل هؤلاء ولا قصدهم سوى تذكير لأهل البصرة بضرورة التعاون لمحاصرة قتلة عثمان والثأر منهم.

وعندئذ توجه جيش من قبل عليّ رضي الله عنه إلى هناك لإصلاح الأمر وجمع الكلمة.

فتواجه الكلّ على ذلك الصعيد، وليس في عزم أيّ منهم أن يبدأ قتالا أو يفجر فتنة.

توجه القعقاع بن عمرو، رسولا من قبل علي رضي الله عنه إلى عائشة قائلا: أي أماه ما أقدمك هذا البلد؟ فقالت: الإصلاح بين الناس. ثم توجه إلى كل من طلحة والزبير فسألهما السؤال ذاته فقالا: ونحن كذلك ما جئنا إلا للإصلاح بين الناس.. وتكلم الجميع وتبادلوا الرأي واتفقوا على أن يترك الأمر بين يدي علي رضي الله عنه، على أن لا يدّخر وسعا في إقامة حدّ الله على قتلة عثمان فور تمكنه من ذلك. ورجع القعقاع إلى علي وأخبره بما تمّ الاتفاق عليه، وأشرف القوم على الصلح، وخطب علي في الناس حامدا الله على نعمة الصلح والوفاق، وأعلن أنه مرتحل من الغد.. «٣» .

ولكن فما الذي تمّ بعد ذلك؟

ما إن أعلن عليّ رضي الله عنه الصلح والوفاق وأبلغ الناس أنه مرتحل من الغد، حتى اجتمع رجال من رؤوس الفتنة فيهم الأشتر النخعي وشريح بن أوفى وعبد الله بن سبأ المعروف بابن السوداء وسالم بن ثعلبة وغلام بن الهيثم.. ولم يكن فيهم بحمد الله واحد من الصحابة، كما قال ابن كثير، فتذاكروا في خطورة أمر التصالح عليهم وأن اتفاق الصحابة يعني إحداق الخطر بهم..

وقال منهم قائل: فلنلحق إذن عليا بعثمان! ..

ولكن عبد الله بن سبأ سخّف هذا الرأي وحذّر منه، ثم قال لهم: إن نجاتكم في مخالطة الناس، فإذا التقى الناس فأنشبوا الحرب والقتال بين الناس، ولا تدعوهم يجتمعون! وسيمتنع من حولكم بالقتال، دفاعا عن نفسه.. وتفرق رؤوس الفتنة بعد أن اتفقوا على هذا الرأي.

وتوجه عليّ في اليوم الثاني مرتحلا، وتوجه على أثره كل من طلحة والزبير، وقد تأكد الصلح والاتفاق، وبات الناس بخير ليلة، وبات قتلة عثمان بشرّ ليلة.

أما عبد الله بن سبأ وصحبه فقد اتفقوا على أن يثيروا الحرب من الغلس ويستدرجوا الناس إليها مهما كلف الأمر.

ونهض هؤلاء المتآمرون قبل طلوع الفجر، وهم قريب من ألفي رجل، فانصرف كل فريق إلى قراباتهم، فباغتوهم وهجموا عليهم بالسيوف، فثارت كل طائفة إلى قومهم ليمنعوهم، وهبّ الناس من رقادهم إلى السلاح، وقالوا: طرقتنا أهل الكوفة ليلا وبيتونا وغدروا بنا، ظانين أنها


(٣) البداية والنهاية: ٧/ ٢٣٩

<<  <   >  >>