ألا إنها لحقيقة واحدة لا ثانية لها: هي الإسلام، فما أحمق الإنسان وما أجهله، حينما يكافح أو يناضل أو يجاهد في غير سبيل الإسلام، إنما يكافح حينئذ عن وهم لا حقيقة له ولا طائل.
*** وبعد، فإن أحداث هذا الفتح العظيم تنطوي على دلالات وأحكام كثيرة مختلفة، يجب تبصرها والوقوف عليها. وسنذكر ما تيسر ذكره من ذلك حسب ترتيب الأحداث نفسها.
أولا- ما يتعلق بالهدنة ونقضها:
١- يدلنا سبب فتح مكة، على أن أهل العهد والهدنة مع المسلمين، إذا حاربوا من هم في ذمة المسلمين وجواره، صاروا حربا لهم بذلك. ولم يبق بينهم وبين المسلمين من عهد. وهذا ما اتفق عليه علماء المسلمين.
٢- تدلنا الطريقة التي قصد بها رسول الله صلّى الله عليه وسلم مكة، على أنه يجوز لإمام المسلمين ورئيسهم أن يفاجئ العدو بالإغارة والحرب لدى خيانته العهد ونبذه له، ولا يجب عليه أن يعلمهم بذلك.
فقد رأيت أن النبي صلّى الله عليه وسلم لما أجمع الخروج إلى مكة دعا قائلا: «اللهم خذ على أبصار قريش فلا يروني إلا بغتة» ، وهذا ما اتفق عليه عامة العلماء.
أما إذا لم تقع الخيانة، وإنما خيف منهم ذلك، بسبب علائم ودلائل قوية، فلا يجوز حينئذ للإمام أن ينبذ عهدهم ويفاجئهم بالحرب والقتال، بل لابد من إعلامهم جميعا بذلك أولا، بدليل قوله تعالى: وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ، إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ [الأنفال ٨/ ٥٨] أي أعلمهم كلهم عن نبذك لعهدهم.
٣- وفي عمله صلّى الله عليه وسلم أيضا دليل على أن مباشرة البعض لنقض العهد، بمثابة مباشرة الجميع لذلك، ما لم يبد الآخرون استنكارا حقيقيا له. فالنبي صلّى الله عليه وسلم اكتفى بسكوت عامة قريش وإقرارهم لما بدر من بعضهم من الإغارة على حلفاء المسلمين، دليلا على أنهم قد دخلوا بذلك معهم في خيانة العهد. وهذا لأنه لما دخلت عامة قريش في أمر الهدنة تبعا لكبارهم وممثليهم، اقتضى الأمر أن يخرج أيضا هؤلاء العامة عن الهدنة، تبعا لما قام به كبارهم وزعماؤهم وممثلوهم.
وقد قتل رسول الله صلّى الله عليه وسلم جميع مقاتلة بني قريظة دون أن يسأل كلّا منهم هل نقض العهد أم لا؟، وكذلك فعل ببني النضير فقد أجلاهم كلهم بسبب خيانتهم للعهد الذي بينهم وبين المسلمين، وإنما كان الذين باشروا الخيانة بضعة أشخاص منهم فقط.
ثانيا- حاطب بن أبي بلتعة وما يتعلق بعمله:
١- إننا نجد أنفسنا أمام مظهر جديد آخر لنبوته صلّى الله عليه وسلم، وما كان يؤيّد به من الوحي من قبل ربه جلّ جلاله. لقد قال لبعض أصحابه: «اذهبوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة