للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

معها كتاب فخذوه منها» ، فمن الذي أخبره بأمر هذا الكتاب وأطلعه على ما دار بين الظعينة وحاطب بن أبي بلتعة في شأنه؟ إنه الوحي.. وإذن فهي النبوة، وهي التأييد من الله تعالى لنبيه حتى يتم المخطط الإلهي للفتح العظيم الذي أكرم الله به نبيه والمسلمين.

٢- هل يجوز تعذيب المتهم بمختلف الوسائل، حملا له على الاعتراف؟ لقد استدل بعضهم بما قاله علي رضي الله عنه لتلك المرأة: لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب، استدلوا بذلك على أنه يجوز للإمام أو نائبه أن يسلك من الوسائل ما يراه كفيلا بكشف الجريمة وإظهارها. كما استدلوا على ذلك بما روي من أن اليهود غيبوا أموالا في غزوة خيبر لحييّ بن أخطب فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لعمه: «ما فعل مسك حيي الذي جاء به من النضير؟ (المسك وعاء من جلد) فقال: أذهبته النفقات والحروب. فقال: العهد قريب والمال أكثر من ذلك، فدفعه رسول الله صلّى الله عليه وسلم إلى الزبير فمسه بعذاب، فقال لهم: قد رأيت حيي يطوف بخربة هنا، فذهبوا فطافوا فوجدوا المسك في الخربة» .

وبعض الباحثين اليوم، يسندون مثل هذا الرأي إلى الإمام مالك رضي الله عنه.

والحق الذي عليه كل الأئمة الأربعة وجمهور الباحثين والعلماء، أنه لا يجوز تعذيب المتهم الذي لم تثبت عليه الجريمة ببينة شرعية كافية، حملا له على الإقرار، فالمتهم بريء ما لم تثبت جريمته.

وخبر الظعينة التي أرسلها حاطب إلى مكة، وتهديد علي رضي الله عنه لها، ليس من هذا في شيء، وذلك للسببين التاليين:

أولا: ليست تلك المرأة مجرد متهمة بما ووجهت به، بل هي حقيقة ثابتة، دلّ عليها خبر أصدق الناس محمد عليه الصلاة والسلام، وهو أقوى في دلالته من بينة الاعتراف والإقرار، فكيف يقاس عليها من حامت حوله التهم لمجرد ظنون وشكوك من أناس غير معصومين؟ وما يقال عن هذه المرأة، يقال أيضا عن عم حيي بن أخطب.

ثانيا: ليس إلقاء الثياب للتفتيش عن الكتاب، كأمر التعذيب أو الحبس، فالفرق بينهما كبير واضح، وإذا ثبت أن الكتاب معها لا محالة، ولم يكن من سبيل إلى الوصول إليه إلا بالتنقيب في ثيابها، فذلك أمر مشروع ولا ريب، بل هو واجب استلزمه أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلم.

وأما تعذيب الزبير لعم حيي بن أخطب، فهو أولا: قائم كما قلنا على الحقيقة لا التهمة، ثم هو ثانيا متعلق بأمر الجهاد والحرابة بين المسلمين وغيرهم، فكيف يقاس عليه تعامل المسلمين بعضهم مع بعض؟!.

وأما زعم أن هذا مذهب ذهب إليه مالك رضي الله عنه في فقهه، فهو زعم باطل مخالف لما هو معروف واضح من مذهبه.

<<  <   >  >>