رسول الله صلّى الله عليه وسلم جالس حوله الناس فقام إليّ طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهنأني، والله ما قام إليّ رجل من المهاجرين غيره ولا أنساها لطلحة، قال كعب: فلما سلمت على رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال وهو يبرق وجهه من السرور: أبشر بخير يوم مرّ عليك منذ ولدتك أمك.
قال: قلت: أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله؟ قال: لا بل من عند الله. فقلت: يا رسول الله! إنّ من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله ورسوله. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك. فقلت: يا رسول الله إنما نجاني الصدق، وإن من توبتي أن لا أحدث إلا صدقا ما بقيت. وأنزل الله تعالى على رسوله: لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ إلى قوله: وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ «١٠٨»[التوبة ٩/ ١١٧- ١١٩] » .
[العبر والعظات:]
أولا- كلمة على هامش هذه الغزوة:
لقد أخذ الإسلام يستقر في الجزيرة العربية، واستولى سلطانه على الأفئدة والنفوس وهذا ما كانت نصارى الروم تراقبه من بعيد في خوف وقلق.
فالرومان، لم يعانقوا النصرانية إيمانا منهم بها، وإنما كانوا قد اتخذوها ذريعة إلى استعمار شعوب تلك المنطقة، ولأجل ذلك تلاعبوا بها كما أرادوا، وغيروا منها وبدلوا، فخلطوا هديها بوثنيتهم وأضافوا إلى ما فيها من الحق الكثير من باطلهم.
والإسلام- وهو الدين الذي تكررت الدعوة إليه على لسان جميع الرسل والأنبياء- إنما جاء ليخرج به الناس عن كل سلطان غير سلطان الله تعالى، فلا يكون لأحد عليهم من سيادة ولا سلطان ولا حكم إلا سلطان الله وحكمه.
وهم- وقد علموا من النصرانية كل حقائقها- أدرى الناس بخطورة هذه الرسالة الأخيرة وما تحمل في طيها من تهديد لحكم الطغاة وسلطان المتسلطين وبغي الباغين.
فلا غرو أن يكون هذا الدين- وقد استقر أمره في الجزيرة العربية- مصدر قلق وتخوف لدى طغاة الروم وأتباعهم الذين ما دخلوا النصرانية إلا ظاهرا، وما أرادوا من ذلك إلا ضمان بسط سلطانهم على المستضعفين.
فمن أجل ذلك تلقوا خبر فتح مكة ونبأ انتصار الإسلام في الجزيرة العربية بالذعر، ثم أخذوا يجمعون جموعهم بين الشام والحجاز، علّهم يقفون في وجه هذا الدين الذي سيكون في انتشاره القضاء عليهم وعلى سلطانهم.