للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما عليّ رضي الله عنه، فقد كان على يقين بأن البيعة قد تمت له باتفاق أهل المدينة، دار الهجرة النبوية، وأنها بذلك تلزم من تأخر عنها ممن كان خارج المدينة.. أما الثأر من قتلة عثمان فقد قلنا أن عليا رضي الله عنه كان من أشد المتحمسين لذلك، ولكنه كان يخطط لذلك بما يضمن سلامة النتائج.

ولما بلغه الرفض من معاوية، عدّه باغيا خارجا على جماعة المسلمين وإمامهم. فخرج رضي الله عنه بمن معه لثنتي عشرة ليلة خلت من رجب سنة ست وثلاثين، فعسكر بالنخيلة، وقدم عليه ابن عباس من البصرة بعد أن استخلف عليها، وعبأ رضي الله عنه جيوشه متوجها لمحاربة أهل الشام وإجبارهم على الخضوع لجماعة المسلمين «٦» .

ولما علم معاوية بذلك، سار إليه في جيوشه من الشام، والتقى الطرفان في سهل صفين على نهر الفرات.. وتردد بينهما الرسل قرابة شهرين أو يزيد، عليّ رضي الله عنه يدعو معاوية ومن معه إلى مبايعته، ويطمئنه أن القصاص من قتلة عثمان آت في ميقاته القريب، ومعاوية يدعو عليا قبل كل شيء إلى ملاحقة قتلة عثمان الذي هو ابن عمه وهو أولى الناس بالمطالبة بدمه. وربما قام بينهم خلال ذلك بعض القتال والمناوشات.

وظلّ الطرفان على هذه الحال إلى أن دخل شهر محرم من السنة السابعة والثلاثين، فاتفق معاوية وعليّ على هدنة مدتها شهر، أملا في التصالح. ولكن مدّة الهدنة انقضت دون أي فائدة.

وعندئذ أمر عليّ مناديا ينادي: يا أهل الشام يقول لكم أمير المؤمنين قد استدمتكم لتراجعوا الحق وتنيبوا إليه، فلم تنتهوا عن طغيانكم ولم تجيبوا إلى الحق وإني قد نبذت إليكم على سواء إن الله لا يحب الخائنين «٧» .

وعندئذ نهض معاوية وعمرو بن العاص فعبيا الجيش ميمنة وميسرة، وعبّى علي رضي الله عنه جيشه من ليلته فجعل على خيل أهل الكوفة الأشتر النخعي وعلى خيل أهل البصرة سهل بن حنيف. ثم أوصى عليّ من معه أن لا يبدؤوا أحدا بقتال حتى يبدأ أهل الشام، وأن لا يذفف على جريح ولا يتبع مدبر ولا يكشف ستر امرأة ولا تهان.

واقتتل القوم في اليوم الأول قتالا شديدا، واقتتلوا في اليوم الثاني أيضا قتالا شديدا. واستمر القتال سبعة أيام لا يتغلب أحد من الطرفين على أحد. ولكنّ وطأة القتال اشتدت أخيرا على معاوية ومن معه وأوشك جيش علي رضي الله عنه على النصر.

وعندئذ تشاور كل من معاوية وعمرو بن العاص في الأمر، فأشار عليه عمرو، أن يدعو أهل العراق إلى تحكيم كتاب الله، فأمر معاوية الناس برفع المصاحف على الرماح، وأن ينادي مناد


(٦) البداية والنهاية ٧/ ٢٥٤
(٧) المرجع المذكور ٧/ ٢٦٠

<<  <   >  >>