للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأصنام الأخرى، وهذا يدل على ما كنا قد ذكرناه من حرمة صنع التماثيل على اختلاف أنواعها وأشكالها، وعلى حرمة اقتنائها مهما كانت أسباب ذلك «١٢٥» .

*** هذا ولنكتف بهذا الذي ذكرناه من خبر وفد ثقيف، عن تفصيل ذكر أخبار الوفود الكثيرة الأخرى، التي قدمت خلال هذا العام إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم، لعدم تعلق غرض كبير في هذا المقام بذلك.

غير أن مما ينبغي أن تعلمه، أن هذه الوفود كانت في مجموعها تمثل فئتين: إحداهما فئة المشركين، والثانية فئة أهل الكتاب.

فأما المشركون، فقد دخل عامتهم في الإسلام، وما رجعت وفودهم إلا وهي تحمل مشعل الإيمان والتوحيد إلى قومها. وأما أهل الكتاب فقد بقي أكثرهم على ما هم عليه، من اليهودية أو النصرانية.

ولقد كان الوفد الذي جاء يمثل نصارى نجران مؤلفا من ستين رجلا، ولقد لبثوا عنده صلّى الله عليه وسلم أياما يجادلهم ويجادلونه في أمر عيسى عليه الصلاة والسلام ووحدانية الله تعالى.

وكان آخر ما عنده صلّى الله عليه وسلم لهم أن تلا عليهم قوله تعالى: إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ: كُنْ فَيَكُونُ. الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ. فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ: تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ، ثُمَّ نَبْتَهِلْ، فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ [آل عمران ٣/ ٥٩، ٦٠، ٦١] .

فلما أبوا أن يقروا، دعاهم إلى المباهلة «١٢٦» كما أمره الله بذلك، وذهب عليه الصلاة والسلام فأقبل مشتملا على الحسن والحسين رضي الله عنهما في خميل له، وفاطمة رضي الله عنها تمشي خلفه، للمباهلة.

فأبى رئيس وفدهم، وهو شرحبيل بن وداعة، المباهلة أيضا وحذر أصحابه من عاقبة ذلك عليهم. فأقبلوا إليه صلّى الله عليه وسلم يحكّمونه فيما دون كلّ من الإسلام والمباهلة، وينزلون عند حكمه في ذلك. فصالحهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم على الجزية وكتب لهم بذلك كتابا، والتزم فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلم لهم- إن دفعوا الجزية المتفق عليها- أن لا تهدم لهم بيعة، ولا يفتنوا عن دينهم ما لم يحدثوا حدثا- أي غدرا أو خيانة- أو يأكلوا الربا «١٢٧»

***


(١٢٥) انظر ص ٢٧٩ فما بعد من هذا الكتاب.
(١٢٦) المباهلة: أي الدعوة إلى أن يبتهل كل طرف إلى الله أن يجعل لعنته على الطرف الكاذب.
(١٢٧) رواه الحاكم والبيهقي في دلائل النبوة بتفصيل مطول، وروى خبر المصالحة على الجزية، أبو داود أيضا في كتاب الخراج، باب أخذ الجزية، وانظر قصة وفد نصارى نجران في تفسير ابن كثير: ١/ ٣٦٨، ٣٦٩

<<  <   >  >>