للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أمام مصدرين لا ثالث لهما، ضمن لهم بعد الاعتصام بهما، الأمان من كل شقاء وضلال، هما:

كتاب الله وسنة رسوله.

وإنك لتجده يتقدم بهذا التعهد والضمان إلى جميع الأجيال المتعاقبة من بعده، ليبيّن للناس أن صلاحية التمسك بهذين الدليلين ليس وقفا على عصر دون آخر، وأنه لا ينبغي أن يكون لأيّ تطور حضاري أو عرف زمني أي سلطان أو تغلب عليهما.

وأما البند السادس: فقد أوضح فيه صلّى الله عليه وسلم ما ينبغي أن يكون عليه علاقة الحاكم أو الخليفة أو الرئيس مع الرعية أو الشعب. إنها علاقة السمع والطاعة من الشعب للحاكم مهما كان نسبه وشأنه ومظهره ما دام يحكم بكتاب الله وسنة رسوله، فإذا حاد عنهما فلا سمع ولا طاعة، فلا مناط لولاء الحاكم وضرورة اتباعه إلا سيره على نهج الكتاب والسنة، وليكن بعد ذلك إن شاء عبدا حبشيا مجدّعا، فلا يخفضه ذلك قيد شعرة عن غيره عند الله تعالى.

ولقد أوضح لنا رسول الله صلّى الله عليه وسلم بهذا، أنه لا امتياز للحاكم من وراء حدود كتاب الله تعالى وسنة نبيه، ولا يمكن لحاكميته أن ترفعه قيد شعرة فوق مستوى المنهج والحكم الإسلامي، إذ هو في الحقيقة ليس بحاكم ولا يتمتع بأي حاكمية حقيقية، ولكنه أمين من قبل المسلمين على تنفيذ حكم الله تعالى. ومن هنا لم تتعرف الشريعة الإسلامية على شيء مما يسمى بالحصانة أو الامتيازات لطبقة ما بين المسلمين في شؤون الحكم أو القانون والقضاء.

وفي الختام ... يشعر رسول الله صلّى الله عليه وسلم أنه أخرج مسؤولية الدعوة وتبليغها من عنقه، فها هو الإسلام قد انتشر، وها هي ضلالات الجاهلية والشرك قد تبدّدت، وها هي أحكام الشريعة الإلهية قد بلّغت، وها هو الوحي ينزل عليه صلّى الله عليه وسلم، يقول الله تعالى مخاطبا البشر كلهم: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً [المائدة ٥/ ٣] .

ولكنه صلّى الله عليه وسلم يريد أن يطمئن إلى شهادة أمته بذلك أمام الله تعالى يوم القيامة عندما يسألون.. فأعقب توصياته هذه لهم بأن نادى فيهم قائلا: إنكم ستسألون عني، فما أنتم قائلون؟

وارتفعت الأصوات من حوله تصرخ: نشهد أنك قد بلّغت، وأديت، ونصحت. وحينئد اطمأن الرسول العظيم صلّى الله عليه وسلم! ...

لقد كان يريد أن يستوثق من هذه الشهادة التي سيلقى بها وجه ربه عز وجل.. ولقد اطمأن الحبيب الأعظم صلّى الله عليه وسلم إذ ذاك، وشعشع الرضى في عينيه، ونظر بهما إلى الأعلى مشيرا بسبابته إلى السماء ثم إلى الناس يقول:

«اللهم اشهد ... اللهم اشهد ... اللهم اشهد» .

ويا ما أعظمها من سعادة!؟ .. سعادة رسول الله عليه الصلاة والسلام بشبابه الذي أبلاه

<<  <   >  >>