الحسن الذي تهيأ للرسول صلّى الله عليه وسلم أثناء قيامه في الدعوة، بسبب حماية عمه له، بينما لم يتهيأ هذا الحظ لغيره من المسلمين من حوله، فأوذوا وهو محفوظ الجانب، وتعذبوا وهو مستريح البال.
لقد قضت حكمة الله تعالى أن يفقد الرسول عمه أبا طالب وزوجته خديجة بنت خويلد، ويفقد من حوله من كان في الظاهر حاميا له ومؤنسا، حتى تتجلّى حقيقتان هامتان:
أولاهما: أن الحماية والعناية والنصر، إنما يأتي كل ذلك من الله عز وجل. ولقد تعهد الله أن يعصم رسوله من المشركين والأعداء، فسواء كان ثمة من يحميه من الناس أو لم يكن، فهو معصوم من الناس وستبلغ دعوته منتهاها من النصر والتوفيق.
ثانيتهما: ليس معنى العصمة من الناس أن لا يرى منهم إيذاء أو عذابا أو اضطهادا، وإنما معنى العصمة التي تعهد بها الله عز وجل بقوله: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [المائدة ٥/ ٦٧] العصمة من القتل ومن أي صد أو عدوان من شأنه إيقاف الدعوة الإسلامية، فقد قضت حكمة الله تعالى أن يذوق الأنبياء من ذلك قدرا غير يسير، وذلك لا ينافي العصمة التي وعد بها أنبياءه ورسله.
ولذلك يقول الله عز وجل لنبيّه بعد قوله: فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ، يقول له: وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ، فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ، وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر ١٥/ ٩٧، ٩٨] .
ومن الحكم الجليلة لما قضت به سنة الله عز وجل، من أن يلاقي الرسول ما لاقى من المحنة في طريق الدعوة، أن يستسهلها ويستخف بها عامة المسلمين في كل عصر ممن أنيطت بهم مسؤولية الدعوة الإسلامية.
فلو أن النبي صلّى الله عليه وسلم نجح في دعوته بدون أي مشقة أو جهد، لطمع أصحابه والمسلمون من بعده بأن يستريحو كما استراح، ولا ستثقلوا المصائب والمحن التي قد يجدونها في طريقهم إلى الدعوة الإسلامية.
أما، والحالة هذه، فإن مما يخفف وقع المحنة والعذاب على المسلمين شعورهم أنهم يذوقون مما ذاقه رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأنهم يسيرون في الطريق ذاتها التي أو ذي فيها رسول الله.
ومهما أصابهم من ألم السخرية بهم وإهانة الناس لهم، فإن ذلك لا يفتّ في عضدهم بعد أن رأوا رسول الله صلّى الله عليه وسلم قد ألقي التراب في السوق على رأسه حتى اضطر أن ينقلب إلى بيته لتقوم إحدى بناته فتغسل عن رأسه التراب، مع أنه حبيب الله وصفوته من خلقه. وسنجد في هجرته صلّى الله عليه وسلم إلى الطائف وما لاقاه إذ ذاك ما يجعل المسلمين يستسهلون كل محنة وعذاب في سبيل أن يضربوا مع رسولهم بنصيب مما قاساه وعاناه في سبيل الدعوة الإسلامية.