للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والشيء الآخر، الذي يتعلق بهذا المقطع من سيرته عليه الصلاة والسلام هو أن بعض الناس يحسبون أن سبب تسمية الرسول لهذا العام عام الحزن إنما هو مجرد فقده صلّى الله عليه وسلم لعمه أبي طالب وزوجته خديجة بنت خويلد، وربما استساغوا إقامة علائم الحزن والحداد على موتاهم مدة طويلة من الزمن مستدلين بهذا.

والواقع أن هذا خطأ في الفهم والتقدير.

فالنبي صلّى الله عليه وسلم لم يحزن على فراق عمه وفراق زوجه ذلك الحزن الشديد، ولم يطلق على تلك السنة: عام الحزن، لمجرد أنه فقد بعض أقاربه فاستوحش لفقدهم. بل سبب ذلك ما أعقب وفاتهما من انغلاق معظم أبواب الدعوة الإسلامية في وجهه، فقد كانت حماية عمه له تترك مجالات كثيرة للدعوة وسبلا مختلفة للتوجيه والإرشاد والتعليم.. وكان يرى في ذلك بعض النجاح في العمل الذي أمره به ربه.

أما بعد وفاته، فقد سدّت في وجهه تلك المجالات، فمهما حاول وجد صدا وعدوانا، وحيثما ذهب وجد السبل مغلقة في وجهه، فيعود بدعوته كما ذهب بها؛ لم يسمعها أحد ولم يؤمن بها أحد، بل الكل ما بين مستهزئ ومعتد، ومتهكم به، فيحزنه أن يعود وهو لم يأت من الوظيفة التي كلفه الله بها بنتيجة، فمن أجله سمى ذلك العام عام الحزن.

بل، لقد كان حزنه على أن لا يؤمن الناس بالحق الذي جاء به، شيئا غالبا على نفسه، في أكثر الأحيان. ومن أجل تخفيف هذا الحزن عليه كانت تنزل الآيات مواسية له ومسلية، ومذكّرة إياه بأنه ليس مكلفا بأكثر من التبليغ، فلا داعي إلى أن يذهب نفسه عليهم حسرات إذا لم يستجيبوا ولم يؤمنوا. استمع مثلا إلى هذه الآيات:

قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ، فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ، وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ. وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ، وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ، وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ، وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ [الأنعام ٦/ ٣٣- ٣٥] .

<<  <   >  >>