للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذلك أنه كما يخشى من دخول الريبة في صدور الناس إذا ما رأوا النّبي متعلّما مطّلعا على الكتب القديمة وتاريخ الأمم البائدة وحضارات الدول المجاورة- كذلك يخشى من دخول هذه الريبة في الصدور إذا ما ظهرت الدعوة الإسلامية بين أمة لها شأن في الحضارة والمدنية والفلسفة وتاريخ ذلك، كدولة الفرس أو اليونان أو الرومان، إذ ربّ مرتاب مبطل يزعم أنها سلسلة التجارب الحضارية والأفكار الفلسفية أبدعت أخيرا هذه الحضارة الفذة والتشريع المتكامل.

ولقد أوضح القرآن الكريم هذه الحكمة بصريح العبارة حينما قال: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ [الجمعة ٦٢/ ٢] .

فلقد اقتضت إرادة الله تعالى أن يكون رسوله أميّا، وأن يكون القوم الذين ظهر فيهم هذا الرسول أميّين أيضا في غالبيتهم العظمى، حتى تكون معجزة النّبوة والشريعة الإسلامية واضحة في الأذهان لا لبس بينها وبين الدعوات البشرية المختلفة. وهذا ينطوي- كما هو واضح- على رحمة عظيمة بالعباد.

وهنالك حكم أخرى لا تخفى على الباحث نجملها فيما يلي:

١- من المعلوم أن الله عزّ وجلّ قد جعل البيت الحرام مثابة للناس وأمنا، وجعله أول بيت وضع للناس للعبادة وإقامة الشعائر الدينية، وحقق في ذلك الوادي دعوة أبي الأنبياء إبراهيم عليه الصلاة والسلام. ومن لوازم هذا كله ومتمماته أن تكون هذه البقعة المباركة نفسها مهدا للدعوة الإسلامية التي هي ملة أبينا إبراهيم وأن تكون بعثة خاتم الأنبياء ومولده فيها، كيف لا وهو من نسل إبراهيم عليه الصلاة والسلام.

٢- البقعة الجغرافية للجزيرة العربية ترشحها للقيام بعبء مثل هذه الدعوة، بسبب أنها تقع- كما قلنا- في نقطة الوسط بين الأمم المختلفة التي من حولها.

وهذا مما يجعل إشعاعات الدعوة الإسلامية تنتشر بين جميع الشعوب والدول المحيطة بها في سهولة ويسر، وإذا أعدت النظر إلى سير الدعوة الإسلامية في صدر الإسلام وعصر الخلفاء الراشدين وجدت مصداق ذلك جليا واضحا.

٣- اقتضت حكمة الله تعالى أن تكون اللغة العربية هي لغة الدعوة الإسلامية، وأن تكون هي الأداة المباشرة الأولى لترجمة كلام الله عزّ وجلّ وإبلاغه إيانا.

ولعلنا لو أمعنا في خصائص اللغات وقارّنا بينها، لوجدنا أن اللغة العربية تمتاز بكثير من الخصائص التي يعزّ وجودها في اللغات الأخرى. فأجدر بها أن تكون لغة المسلمين الأولى في مختلف ربوعهم وبلادهم.

<<  <   >  >>