للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النار: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا فلست أدري كيف لي بالصدر بعد الورود.

وناداهم المسلمون وهم يسيرون: صحبكم الله ودفع عنكم وردكم إلينا صالحين. فقال عبد الله بن رواحة:

لكنني أسأل الرحمن مغفرة ... وضربة ذات قرع تقذف الزبدا

أو طعنة بيدي حرّان مجهزة ... بحربة تنفذ الأحشاء والكبدا

حتى يقال إذا مرّوا على جدثي ... أرشده الله من غاز، وقد رشدا

ولما فصلوا من المدينة سمع العدو بمسيرهم، فجمعوا لهم: جمع هرقل لهم أكثر من مئة ألف مقاتل من الروم، وجمع شرحبيل بن عمرو مئة ألف مقاتل آخر من قبائل لخم وجذام والقين وبهراء.

وسمع المسلمون بذلك فأقاموا في معان ليلتين يفكرون في أمرهم، وقالوا: نكتب إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فنخبره بعدد عدونا. فشجعهم عبد الله بن رواحة وقال لهم: يا قوم، والله إن التي تكرهون للتي خرجتم تطلبون: الشهادة. وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة، ولا كثرة، وما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به، فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنيين: إما ظهور أو شهادة.

والتقى المسلمون بأعدائهم قبيل الكرك، وقد اجتمع منهم ما لا قبل لأحد به من العدد والسلاح والعتاد، فأخذ اللواء زيد بن حارثة فقاتل وقاتل المسلمون معه حتى قتل رضي الله عنه طعنا بالرماح. ثم أخذ اللواء جعفر بن أبي طالب فأبلى بلاء عظيما، حتى إذا ألحمه القتال نزل عن فرسه فعقرها ثم انطلق يشتد في قتال القوم وهو يرتجز:

يا حبذا الجنة واقترابها ... طيبة وباردا شرابها

والروم روم قد دنا عذابها ... كافرة بعيدة أنسابها

عليّ إذ لاقيتها ضرابها

وظل يقاتل حتى قتل رضي الله عنه، ضربه رجل من الروم فقدّه نصفين، فوجد في جسمه خمسون طعنة، ليس منها شيء في ظهره «٤٠» ! .. ثم أخذ اللواء عبد الله بن رواحة وانطلق يرتجز قائلا:

أقسمت يا نفس لتنزلنّه ... لتنزلن أو لتكرهنّه

إن أجلب الناس وشدوا الرنة ... ما لي أراك تكرهين الجنّة


(٤٠) رواه البخاري.

<<  <   >  >>