للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد كان قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «أخرجوا إليّ منكم اثني عشر نقيبا ليكونوا على قومهم بما فيهم، فأخرجوا منهم اثني عشر نقيبا، تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس، فلما تخيّرهم قال للنقباء: أنتم كفلاء على قومكم ككفالة الحواريين لعيسى بن مريم، وأنا كفيل على قومي» .

وكان أول من ضرب على يد رسول الله صلّى الله عليه وسلم البراء بن معرور ثم بايع القوم كلهم بعد ذلك.

فلما بايعنا رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «ارفضّوا إلى رحالكم» ، فقال له العباس بن عبادة بن نفلة: «والله الذي بعثك بالحق إن شئت لنميّلن على أهل منى غدا بأسيافنا» ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «لم نؤمر بذلك، ولكن ارجعوا إلى رحالكم» .

فرجعنا إلى مضاجعنا، فنمنا عليها حتى أصبحنا، فلما أصبحنا غدت علينا جلّة قريش، فقالوا: يا معشر الخزرج إنه قد بلغنا أنكم قد جئتم إلى صاحبنا هذا تستخرجونه من بين أظهرنا، وتبايعونه على حربنا، وإنه والله ما من حيّ من العرب أبغض إلينا أن تنشب الحرب بيننا وبينهم منكم» .

فانبعث من هناك من مشركي قومنا يحلفون بالله: «ما كان من هذا شيء وما علمناه. وقد صدقوا، لم يعلموه. قال: «وبعضنا ينظر إلى بعض» .

ونفر الناس من منى، فتحرى القوم الخبر فوجدوا أن الأمر قد كان. فخرجوا في طلبنا فأدركوا سعد بن عبادة بأذاخر «٤٠» ، والمنذر بن عمرو- وكلاهما كان نقيبا- فأما المنذر فأعجز القوم فهرب، وأما سعد فأخذوه، فربطوا يديه إلى عنقه بشراك رحله، ثم أقبلوا به حتى أدخلوه مكة يضربونه ويجذبونه بجبهته، وكان ذا شعر كثير.

قال سعد: فو الله إني لفي أيديهم يسحبونني، إذ أقبل إليّ رجل ممن كان معهم، فقال:

«ويحك.. أما بينك وبين أحد من قريش جوار ولا عهد؟» قلت: «بلى والله، لقد كنت أجير لكل من جبير بن مطعم والحارث بن أمية تجّارهما وأمنعهم ممن أراد ظلمهم ببلادي» ، قال:

«ويحك فاهتف باسمهما» ، قال ففعلت، فجاء مطعم بن عدي والحارث بن أمية فخلّصاه من أيديهم» .

قال ابن هشام: «وكانت لبيعة الحرب حين أذن الله لرسوله في القتال شروطا سوى شرطه عليهم في بيعة العقبة الأولى. كانت الأولى على بيعة النساء، وذلك أن الله لم يكن أذن لرسوله صلّى الله عليه وسلم في الحرب، فلما أذن الله له فيها وبايعهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم في العقبة الأخيرة على حرب الأحمر والأسود أخذ لنفسه واشترط على القوم لربه، وجعل لهم على الوفاء بذلك الجنة» .


(٤٠) أذاخر موضع قريب من مكة.

<<  <   >  >>