للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الإسلام ليس كما قالوا دين سيف ورمح وبطش، بل هو على العكس من ذلك: دين محبة وسلام لا يشرع فيه الجهاد إلا لضرورة رد العدوان المداهم، ولا يرغّب أهله في الحرب ما وجدوا إلى السلام من سبيل» .

فصفق بسطاء المسلمين طويلا لهذا الدفاع (المجيد) في غمرة تأثرهم من الظلم الشنيع الأول، وصادف ذلك في نفوسهم المتحفزة للرد عليه قبولا حسنا، فأخذوا يؤيدون ويؤكدون، ويستخرجون البرهان تلو الآخر على أن الإسلام فعلا كما قالوا.. دين مسالمة وموادعة لا شأن له بالآخرين إلا إذا داهموه في عقر داره، وأيقظوه من هدأته وسباته.

وفات أولئك البسطاء أن هذه هي النتيجة المطلوبة، وهذا بعينه هو الغرض الذي التقى عليه في السر كل من روّج الشائعة الأولى ثم أشاع الباطل الثاني.

فالمقصود هو السلوك بمقدمات ووسائل مدروسة مختلفة، تنتهي إلى نسخ فكرة الجهاد من أذهان المسلمين، وإماتة روح الطموح في نفوسهم.

ونحن نسوق لك شاهدا على هذا، ما ذكره زميلنا الأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي في كتابه (آثار الحرب في الفقه الإسلامي) ، على لسان المستشرق الإنكليزي المعروف (أندرسن) . ولننقل لك عبارته من مبدئها:

«يخاف الغربيون لا سيما الإنكليز من ظهور فكرة الجهاد في أوساط المسلمين حتى لا تتوحد كلمتهم فيقفوا أمام أعدائهم، ولذلك يحاولون الترويج لفكرة نسخ الجهاد، وصدق الله العظيم إذ يقول فيمن لا إيمان لهم: فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ ولقد قابلت المستشرق الإنكليزي (أندرسن) في مساء الجمعة ٣ حزيران ١٩٦٠، فسألته عن رأيه في هذا الموضوع فكان من نصيحته لي أن أقول: إن الجهاد اليوم ليس بفرض بناء على مثل قاعدة (تتغير الأحكام بتغير الأزمان) . إذ أن الجهاد في رأيه لا يتفق مع الأوضاع الدولية الحديثة لارتباط المسلمين بالمنظمات العالمية والمعاهدات الدولية، ولأن الجهاد هو الوسيلة لحمل الناس على الإسلام، وأوضاع الحرية ورقي العقول لا تقبل فكرة تفرض بالقوة» «٤٥» .

ونعود إلى ما كنا عليه من حديث بيعة العقبة الثانية:

لأمر ما أراده الله عز وجل، انتهى إلى سمع المشركين من أهل مكة خبر هذه البيعة، وما تمّ فيها بين النبي صلّى الله عليه وسلم والمسلمين من أهل المدينة.


(٤٥) آثار الحرب في الفقه الإسلامي، تعليق في ص ٥٩

<<  <   >  >>