للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومما يستدل به على ذلك قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ؟ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ، قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها، فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً، إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ، لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا [النساء ٤/ ٩٧، ٩٨] .

٢- وجوب نصرة المسلمين بعضهم لبعضهم، مهما اختلفت ديارهم وبلادهم ما دام ذلك ممكنا.

فقد اتفق العلماء والأئمة على أن المسلمين إذا قدروا على استنقاذ المستضعفين أو المأسورين أو المظلومين من إخوانهم المسلمين، في أي جهة من جهات الأرض، ثم لم يفعلوا ذلك، فقد باؤوا بإثم كبير.

يقول أبو بكر بن العربي: «إذا كان في المسلمين أسراء أو مستضعفون فإن الولاية معهم قائمة، والنصرة لهم واجبة بالبدن، بأن لا تبقى منا عين تطرف، حتى نخرج إلى استنقاذهم إن كان عددنا يحتمل ذلك، أو نبذل جميع أموالنا في استخراجهم، حتى لا يبقى لأحد درهم من ذلك» «٥٠» .

وكما تجب موالاة المسلمين بعضهم لبعضهم، فإنه يجب أن تكون هذه الموالاة فيما بينهم، ولا يجوز أن يشيع شيء من الولاية أو التناصر أو التآخي بين المسلمين وغيرهم. وهذا ما يصرح به كلام الله عز وجل، إذ يقول: وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ، إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ [الأنفال ٨/ ٧٣] .

يقول ابن العربي: «قطع الله الولاية بين الكفار والمؤمنين، فجعل المؤمنين بعضهم أولياء بعض، وجعل الكافرين بعضهم أولياء بعض، يتناصرون بدينهم ويتعاملون باعتقادهم» «٥١» .

ولا ريب أن تطبيق مثل هذه التعاليم الإلهية، هو أساس نصرة المسلمين في كل عصر وزمن، كما أن إهمالهم لها وانصرافهم إلى ما يخالفها هو أساس ما نراه اليوم من ضعفهم وتفككهم وتألب أعدائهم عليهم من كل جهة وصوب.


(٥٠) أحكام القرآن لابن العربي: ٢/ ٨٧٦
(٥١) المرجع السابق: ٢/ ٨٧٦

<<  <   >  >>