للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما المشركون فقد انطلقوا- بعد أن علموا بخروج النبي صلّى الله عليه وسلم- ينتشرون في طريق المدينة ويفتشون عنه في كل المظانّ، حتى وصلوا إلى غار ثور، وسمع الرسول وصاحبه أقدام المشركين تخفق من حولهم فأخذ الروع أبا بكر وهمس يحدث النبي صلّى الله عليه وسلم: «لو نظر أحدهم تحت قدمه لرآنا» . فأجابه عليه الصلاة والسلام: «يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟» «٥٦» .

فأعمى الله أبصار المشركين حتى لم يحن لأحد منهم التفاتة إلى ذلك الغار، ولم يخطر ببال واحد منهم أن يتساءل عما يكون بداخله..

ولما انقطع الطلب عنهما خرجا، بعد أن جاءهما عبد الله بن أرقط (وهو من المشركين، كانا قد استأجراه ليدلهما على الطرق الخفية إلى المدينة بعد أن اطمأنّا إليه، وواعداه مع الراحلتين عند الغار) فسارا متبعين طريق الساحل بإرشاد من عبد الله بن أرقط.

وكان قد جعل مشركو مكة لكل من أتى برسول الله صلّى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه دية كل منهما.

وذات يوم، بينما كان جماعة من بني مدلج في مجلس لهم، وبينهم سراقة بن جعشم، إذ أقبل إليهم رجل منهم فقال: إني قد رأيت آنفا أسودة بالساحل، أراهما محمدا وأصحابه. فعرف سراقة أنهم هم، ولكنه أراه أن يثني عزم غيره عن الطلب، فقال له: إنك قد رأيت فلانا وفلانا، انطلقوا بأعيننا يبتغون ضالّة لهم. ثم لبث في المجلس ساعة، وقام فركب فرسه ثم سار حتى دنا من الرسول فعثرت به فرسه فخرّ عنها، ثم ركبها ثانية وسار حتى صار يسمع قراءة النبي صلّى الله عليه وسلم وهو لا يلتفت، وأبو بكر يكثر الالتفات، فساخت قائمتا فرس سراقة في الأرض حتى بلغتا الركبتين، فخرّ عنها ثم زجرها حتى نهضت، فلم تكد تخرج يديها حتى سطع لأثرهما غبار ارتفع في السماء مثل الدخان، فعلم سراقة أنه ممنوع عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وداخله رعب عظيم، فناداهما بالأمان.

فوقف عليه الصلاة والسلام ومن معه حتى وصل إليهم، فاعتذر إليه وسأله أن يستغفر له، ثم عرض عليهما الزاد والمتاع، فقالا له: لا حاجة لنا، ولكن عم عنا الخبر، فقال: كفيتم «٥٧» .

ثم عاد سراقة أدراجه إلى مكة وهو يصرف أنظار الناس عن الرسول ومن معه بما يراه من القول ... وهكذا انطلق إليهما في الصباح جاهدا في قتلهما، وعاد في المساء يحرسهما ويصرف الناس عنهما.


(٥٦) متفق عليه.
(٥٧) متفق عليه، والتفصيل للبخاري: ٤/ ٢٢٥- ٢٥٦

<<  <   >  >>