للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فكانوا لا يضعون حوائجهم وأموالهم التي يخافون عليها إلا عنده! .. وهذا يدل على أن كفرانهم لم يكن بسبب الشك لديهم في صدقه، وإنما هو بسبب تكبرهم واستعلائهم على الحق الذي جاء به وخوفا على زعامتهم وطغيانهم من اتباعه.

٤- ثم إننا نلمح في النشاط الذي كان يبذله عبد الله بن أبي بكر رضي الله عنه، ذاهبا آيبا بين الغار ومكة، يتحسس الأخبار وينقلها إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأبيه، وفيما بدا على أخته أسماء رضي الله عنها من مظاهر الاهتمام والجد في تهييء الزاد والراحلة واشتراكها في إعداد العدة لتلك الرحلة، نلمح في ذلك صورة مما يجب أن يكون عليه الشباب المسلم ذكورا وإناثا في سبيل الله عز وجل ومن أجل تحقيق مبادئ الإسلام وإقامة المجتمع الإسلامي. فلا يكفي أن يكون الإنسان منطويا على نفسه مقتصرا على عباداته، بل عليه أن يستنفد طاقاته وأوجه نشاطه كلها سعيا في سبيل الإسلام. وتلك هي مزية الشباب في حياة الإسلام والمسلمين في كل زمن وعصر.

وإذا تأملت فيمن كان حول النبي صلّى الله عليه وسلم إبان دعوته وجهاده، وجدت أن أغلبيتهم العظمى كانوا شبانا لم يتجاوزوا المرحلة الأولى من عمر شبابهم، ولم يألوا جهدا في تجنيد طاقاتهم وقوتهم من أجل نصرة الإسلام وإقامة مجتمعه.

٥- أمّا ما حدث لسراقة وفرسه وهو يلحق برسول الله صلّى الله عليه وسلم فينبغي أن لا يفوتنا أنها معجزة خارقة لرسول الله صلّى الله عليه وسلم اتفق أئمة الحديث على صحتها ونقلها. وفي مقدمتهم البخاري ومسلم.

فأضفها إلى معجزاته الأخرى التي سبق الحديث عنها، فيما مضى.

٦- ومن أبرز المعجزات الخارقة في قصة هجرته عليه الصلاة والسلام خروجه صلّى الله عليه وسلم من بيته وقد أحاط به المشركون يتربصون به ليقتلوه، فقد علق النوم بأعينهم جميعا حتى لم يحس به أحد منهم، وكان من تتمة السخرية بتآمرهم على حياته ما امتلأت به رؤوسهم من التراب الذي ألقاه رسول الله عليها إذ خرج من بينهم وهو يتلو قوله تعالى: وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ [يس ٣٦/ ٨] .

لقد كانت هذه المعجزة بمثابة الإعلان لهؤلاء المشركين وغيرهم في كل عصر ووقت، بأن ما قد يلاقيه الرسول وصحبه من ألوان الاضطهاد والعذاب على أيديهم مدة من الزمن في سبيل دينه، لا يعني أن الله قد تخلى عنهم وأن النصر قد ابتعد عن متناولهم. فلا ينبغي للمشركين وسائر أعداء الدين أن يفرحوا ويستبشروا بذلك، فإن نصر الله قريب وإن وسائل هذا النصر توشك أن تتحقق بين كل لحظة وأخرى.

٧- وتكشف لنا الصورة التي استقبلت بها المدينة المنورة رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن مدى المحبة الشديدة التي كانت تفيض بها أفئدة الأنصار من أهل المدينة رجالا ونساء وأطفالا. لقد كانوا

<<  <   >  >>