للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القفازين» «١٦» . فما معنى نهي المرأة عن أن تتبرقع أو تنتقب أثناء الإحرام بالحج، ولماذا كان هذا النهي خاصا بالمرأة دون الرجل؟ لا شك أن النهي فرع عما كانت تفعله المرأة المسلمة إذ ذاك من الانتقاب وإسدال البرقع على وجهها، فاقتضى الحكم استثناء ذلك في الحج.

ومنه ما رواه مسلم وغيره من حديث فاطمة بنت قيس أنها لما طلقها زوجها، فبت طلاقها، أمرها رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن تعتدّ في بيت أم شريك، ثم أرسل إليها أن بيت أم شريك يغشاه أصحابي (أي أصحاب الرسول صلّى الله عليه وسلم) ، فاعتدي في بيت ابن عمك ابن أم مكتوم، فإنه ضرير البصر وإنك إذا وضعت خمارك لم يرك.

هذا من حيث ما ورد من الأدلة على وجوب ستر المرأة وجهها وبقية جسمها عن الرجال الأجانب.

أما من حيث الدليل على حرمة نظر الرجل إلى ذلك منها، فقد وردت بذلك أحاديث كثيرة أيضا.

فمن ذلك ما رواه أحمد وأبو داود والترمذي عن بريرة قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لعلي:

«يا علي لا تتبع النظرة النظرة، فإنما لك الأولى وليست لك الآخرة» ، ومن ذلك ما رواه البخاري عن ابن عباس أن النّبي صلّى الله عليه وسلم أردف الفضل بن العباس يوم النحر خلفه- وفيه قصة المرأة الخثعمية الوضيئة- فطفق الفضل ينظر إليها، فأخذ النّبي صلّى الله عليه وسلم بذقن الفضل فحوّل وجهه عن النظر إليها.

فأنت ترى أنه قد اجتمع في هذه الأحاديث نهيان: نهي المرأة عن كشف وجهها أو شيء مما سواه أمام الأجانب، ونهي الرجل عن النظر إلى ذلك منها. وفي ذلك دلالة وافية متكاملة على أن وجه المرأة عورة في حق الأجانب عنها إلا في حالات خاصة مستثناة كضرورة التطبب والتعلم والشهادة ونحو ذلك.

على أن من أئمة المذاهب من ذهب إلى أن الوجه والكفين من المرأة ليسا بعورة، فلا يجب سترهما وحملوا ما سبق من الأحاديث الدالة على خلاف ذلك على الندب دون الوجوب، غير أن الجميع اتفقوا على أنه لا يجوز النظر إلى شيء من جسم المرأة بشهوة، وعلى أنه يجب على المرأة أن تستر وجهها إذا عمّ الفسق وأصبح أكثر الذين ينظرون إليها فسّاقا يتأملونها بنظرات محرمة.

وإذا تأملت في حال المسلمين اليوم وما عمّ فيه من الفسق والفجور وسوء التربية والأخلاق، علمت أنه لا مجال للقول بجواز كشف المرأة وجهها والحالة هذه. إن هذا المنحدر الخطير الذي يسير فيه المجتمع الإسلامي اليوم يقتضي- لضمان السلامة والحفظ- مزيدا من الحذر في السير ومزيدا من


(١٦) البخاري: ٣/ ١٤٦، والموطأ: ١/ ٣٢٨

<<  <   >  >>