كل ما قد ينبّه القارئ إلى شيء من معنى النّبوة أو الوحي في حياته، وبعيدا عن الاهتمام بالأسانيد والروايات التي قد يضطرهم الأخذ بها إلى اليقين بأحداث ووقائع ليس من صالحهم اعتمادها أو الاهتمام بها.
وهكذا وجد أبطال هذه المدرسة الجديدة، في اتّباع المذهب الذاتي في كتابة التاريخ، الميدان الفسيح الذي يمكنهم من نبذ كل ما لا يعجبهم من حقائق السّيرة النّبوية مهما جاءت مدعومة بدلائل العلم واليقين، متّخذين من ميولهم النفسية، ورغباتهم الشخصية وأهدافهم البعيدة، حاكما مطلقا على حقائق التاريخ وتحليل ما وراءه من العوامل، وحكما مطلقا لقبول ما ينبغي قبوله ورفض ما يجب رفضه.
لقد رأينا- مثلا- أن كل خارقة مما قد جاء به متواتر السّنة، وربما صريح القرآن تؤول، ولو بتكلف وتمحل، بما يعيدها إلى الوفاق مع المألوف، وبما يجعلها تنسجم مع الغرض المطلوب.
فطير الأبابيل يؤول- على الرغم من أنف الآية الصريحة الواضحة- بداء الجدري.
والإسراء الذي جاء به صريح القرآن، يحمل على سياحة الروح وعالم الرؤى.
والملائكة الذين أمدّ الله المسلمين بهم في غزوة بدر يؤولون بالدّعم المعنوي الذي أكرمهم الله به! ...
وآخر المضحكات العجيبة التي جاءت على هذا الطريق، تفسير النّبوة في حياة سيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلم وإيمان الصحابة به وعموم الفتح الإسلامي، بأن جميعه لم يكن إلا ثورة يسار ضد يمين، أثارتها النوازع الاقتصادية انتجاعا للرزق وطلبا للتوسع، وألهبتها ردود الفعل لدى الفقراء ضد الأغنياء وأصحاب الإقطاع! ..
وبعد، فقد كانت هذه الطريقة في دراسة السّيرة النّبوية خصوصا، والتاريخ الإسلامي عموما، مكيدة خطيرة عشيت عن رؤيتها أعين البسطاء من بعض المسلمين وصادفت هوى وقبولا حسنا عند طائفة أخرى من المنافقين وأصحاب الأهواء.
لقد غاب عن أعين أولئك البسطاء، أن ذلك الهمس الاستعماري الذي يدعو المسلمين إلى ما أسموه بثورة إصلاحية في شؤون العقيدة الإسلامية، إنما قصد في الحقيقة نسف هذه العقيدة من جذورها.
وغاب عنهم أن تفريغ الإسلام من حقائقه الغيبية، إنما يعني حشوه بمنجزات ناسفة تحيله أثرا بعد عين. ذلك لأن الوحي الإلهي- وهو ينبوع الإسلام ومصدره- يعدّ قمة الخوارق والحقائق الغيبية كلها. ولا ريب أن الذي يسرع إلى رفض ما قد جاء في السّيرة النّبوية من خوارق العادات، بحجة اختلافها عن مقتضى سنن الطبيعة ومدارك العلم الحديث، يكون أسرع إلى رفض