للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ، إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ، وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [النور ٢٤/ ٦٢] .

نقض بني قريظة للعهد: وخرج حيي بن أخطب النضري حتى أتى كعب بن أسد القرظي فأغراه بنقض العهد مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وقال له: «جئتك بقريش على قادتها وسادتها حتى أنزلتهم بمجتمع الأسيال من رومة، وبغطفان على قادتها وسادتها حتى أنزلتهم بذنب نقمي إلى جانب أحد، قد عاهدوني وعاقدوني على أن لا يبرحوا حتى نستأصل محمدا ومن معه. فقال له كعب:

جئتني والله بذل الدهر.. ويحك يا حيي فدعني وما أنا عليه، فإني لم أر من محمد إلا صدقا ووفاء.

ولم يزل حيي بكعب حتى أقنعه بالخيانة ونقض العهد» . وانتهى الخبر إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأرسل سعد بن معاذ ليتحقق من الخبر وأوصاه أن يلحن له بإشارة يفهمها إذا كان الخبر حقا، وأن لا يفت في أعضاد الناس وإن كان كذبا فليجهر به في الناس. فلما استطلع سعد الخبر ورآه حقا عاد إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال له: «عضل والقارة» ، أي كغدر عضل والقارة. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم:

«الله أكبر، أبشروا يا معشر المسلمين» «٧٦» .

ما ال إليه حال المسلمين إذ ذاك: بلغ المسلمين خبر نقض بني قريظة للعهد، وذر قرن المنافقين بينهم يفتّون في عضد المسلمين، وجاءهم العدو من فوقهم ومن أسفل منهم، وراح المنافقون يرجفون في المدينة حتى إن أحدهم ليقول: «كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر، وأحدنا اليوم لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط» . ولما وجد رسول الله صلّى الله عليه وسلم الأمر كذلك وأن البلاء قد اشتد بالمسلمين بعث إلى سعد بن معاذ وسعد بن عبادة فاستشارهما في أن يصالح قبيلة غطفان على ثلث ثمار المدينة كي ينصرفوا عن قتال المسلمين، فقالا له: «يا رسول الله، أهو أمر تحبه فنصنعه، أم شيء أمرك به الله، أم شيء تصنعه لنا؟ قال: بل شيء أصنعه لكم كي أكسر عنكم من شوكتهم. وحينئذ قال له سعد بن معاذ: والله ما لنا بهذا من حاجة، والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم. فتهلل وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقال له: فأنت وذاك» .

قال ابن إسحاق يروي عن عاصم بن عمرو بن قتادة وعن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري:

«ولم تقع الشهادة ولا عزيمة الصلح (أي بين المسلمين وغطفان) إلا المراوضة في ذلك» «٧٧» .

أما المشركون فقد فوجئوا بالخندق حينما وصلوا إليه، وقالوا إن هذه لمكيدة ما كانت العرب


(٧٦) طبقات ابن سعد وسيرة ابن هشام.
(٧٧) انظر سيرة ابن هشام: ٢/ ٢٢٣ وتاريخ الطبري: ٢/ ٥٧٣

<<  <   >  >>