للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يا رسول الله يشتكي عينيه، قال فأرسلوا إليه، فأتي به، فبصق رسول الله صلّى الله عليه وسلم في عينيه ودعا، فبرأ، حتى كأن لم يكن به وجع. فأعطاه الراية، فقال عليّ يا رسول الله، أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا (أي مسلمين) ؟ فقال عليه الصلاة والسلام: انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه، فو الله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم. ثم خرج فقاتل، فكان الفتح على يديه «١٦» ، وغنم المسلمون كل ما في تلك الحصون من الأموال.

أما ذانك الحصنان، فقد ظل المسلمون يحاصرونهما، حتى إذا أيقن من فيه بالهلاك، سألوه صلّى الله عليه وسلم أن يخرجهم ويجليهم ويحقن دماءهم ويتركوا له الأموال، فوافقهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم على ذلك.

ثم إنهم سألوا رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن تبقى خيبر تحت أيديهم يعملون فيها ويزرعونها لأنهم أعرف بأراضيهم وأعمر لها. ولهم شطر ما يخرج منها، فصالحهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم على ذلك وقال لهم: على أنّا إن شئنا أن نخرجكم أخرجناكم» «١٧» .

قال ابن إسحاق: «فلما اطمأن رسول الله صلّى الله عليه وسلم، أهدت له زينب بنت الحارث امرأة سلام بن مشكم، شاة مصليّة (مشوية) وكانت قد سألت أي عضو من الشاة أحب إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم؟ فقيل لها: الذراع، فأكثرت فيها من السّم، ثم سمّت سائر الشاة، ثم جاءت بها، فلما وضعتها بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وسلم، تناول الذراع فلاك منها مضغة فلم يسغها، ومعه بشر بن البراء بن معرور، قد أخذ منها كما أخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأما بشر فأساغها، وأما رسول الله فلفظها. ثم قال: إن هذا العظم ليخبرني أنه مسموم، ثم دعا بها فاعترفت، فقال ما حملك على ذلك؟ قالت: بلغت من قومي ما لم يخف عليك، فقلت إن كان ملكا استرحت منه، وإن كان نبيّا فسيخبر فتجاوز عنها رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ومات بشر من أكلته» «١٨» .

والذي جزم به الزهري وسليمان التيمي في مغازيه أنها أسلمت. واختلفوا بعد ذلك، هل قتلها النّبي صلّى الله عليه وسلم قصاصا عن بشر أم لا، فأخرج ابن سعد بأسانيد متعددة أنه صلّى الله عليه وسلم دفعها إلى أولياء بشر فقتلوها، غير أن الصحيح ما رواه مسلم أن النّبي صلّى الله عليه وسلم قال لها: «ما كان الله ليسلّطك على ذاك (أي على قتلي) ، قالوا: ألا نقتلها يا رسول الله؟ قال: لا» .

وقسم رسول الله صلّى الله عليه وسلم غنائم خيبر بين المسلمين، للراجل سهم وللفرس سهمان، وفسّر ذلك


(١٦) الحديث متفق عليه ابتداء من قوله: لأدفعن لوائي غدا ... إلخ.
(١٧) متفق عليه.
(١٨) سياق القصة بهذه الصيغة لابن إسحاق، والقصة متفق عليها عند البخاري ومسلم.

<<  <   >  >>