الاجتماعية المعقدة، كيف يتفق ذلك مع ما هو بدهي عند علماء الاجتماع من أن نشأة القانون المتكامل في حياة الأمة ثمرة لنضجها الثقافي والحضاري، ونتيجة لتركيبها الاجتماعي المتطور؟! ..
ألغاز مقفلة، لا يمكن لمن لم يضع نبوة محمد صلّى الله عليه وسلم في الحسبان، أن يجد لها أي حلّ في نطاق الأسباب والتعليلات المادية المألوفة. وكم رأينا من باحثين- من هذا القبيل- يتطوحون بأفكارهم ذات اليمين وذات الشمال بحثا عن مخرج من الحيرة، دون أن يعودوا من سعيهم بأي طائل.
ولكن سبيل المخرج من هذه الحيرة واضح مع ذلك.
فالسبيل هو أن نكون منطقيين وموضوعيين في دراسة السّيرة النّبوية، نجعل من الهوية التي عرّف محمد صلّى الله عليه وسلم على نفسه من خلالها محورا لدراسة حياته العامة كما قلنا.
حتى إذا أسلمتنا هذه الدّراسة إلى اليقين بأنه نبي مرسل من قبل الله عزّ وجلّ، أسلمتنا نبوّته بدورها إلى المخرج من الحيرة والوقوف على السّر بالنسبة لهذه الألغاز، إن النّبي الصادق في نبوته لا بدّ أن يكون مؤيدا من قبل الإله الذي أرسله، ولا بدّ أن يكون القرآن وحي هذا الإله إليه.
فالقانون المتكامل إذن تنزيله وشرعته وليس من تأليف أمّة أميّة حتى يقع العجب وتطبق الحيرة.
وهذا الإله يقول للمؤمنين في محكم تبيانه: وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [سورة آل عمران ٣/ ١٣٩] ، ويقول: وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ.
فقد اتّضح المبهم، وظهر الحلّ، وانجابت الغاشية، وعاد الأمر طبيعيا إذ ينصر خالق القوى والقدر عباده المؤمنين به الملتزمين بمنهجه ويحقق لهم الفوز على من يشاء.
بل الحيرة كل الحيرة كانت تقع لو أن الله التزم النصر لرسوله والتأييد لعباده المؤمنين، ثم لم تقع معجزة ذلك النصر والتأييد.