للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إنه قد شهد بدرا وما يدريك لعل الله اطلع على من شهد بدرا فقال: اعملوا ما شئتم قد غفرت لكم.

فأنزل الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ، وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ ... الآيات إلى قوله تعالى: فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ «٤٦» .

واستخلف رسول الله صلّى الله عليه وسلم على المدينة كلثوم بن حسين، وخرج يوم الأربعاء لعشر ليال خلون من شهر رمضان بعد العصر، وأرسل صلّى الله عليه وسلم إلى من حوله من العرب: أسلم وغفار ومزينة، وجهينة وغيرهم، فالتقى كلهم في الظهران- مكان بين مكة والمدينة- وقد بلغ عدد المسلمين عشرة آلاف.

ولم تكن الأنباء قد وصلت قريشا بعد، ولكنهم كانوا يتوقعون أمرا بسبب فشل أبي سفيان فيما جاء به إلى المدينة، فأرسلوا أبا سفيان، وحكيم بن حزام، وبديل بن ورقاء ليلتمسوا الخبر عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأقبلوا يسيرون، حتى دنوا إلى مر الظهران فإذا هم بنيران عظيمة، فبينما هم يتساءلون فيما بينهم عن هذه النيران، إذ رآهم أناس من حرس رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأتوا بهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأسلم أبو سفيان» «٤٧» .

قال ابن إسحاق يروي عن العباس تفصيل إيمان أبي سفيان: «فلما أصبح، غدوت به إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فلما رآه رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: ويحك يا أبا سفيان، ألم يأن لك أن تعلم أنه لا إله إلا الله؟ قال: بأبي أنت وأمي ما أحلمك وأكرمك وأوصلك! .. والله لقد ظننت أن لو كان مع الله إله غيره لقد أغنى عني شيئا بعد. وقال: ويحك يا أبا سفيان، ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله؟ قال: بأبي أنت وأمي ما أحلمك وأكرمك وأوصلك، أما هذه والله، فإن في النفس منها حتى الآن شيئا. فقال له العباس: ويحك! .. أسلم واشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله قبل أن تضرب عنقك. قال: فشهد شهادة الحق فأسلم.

قال العباس: فقلت يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل يحب الفخر فاجعل له شيئا، قال:

نعم، من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن.

فلما أراد رسول الله صلّى الله عليه وسلم المسير مقبلا إلى مكة، قال للعباس: احبس أبا سفيان بمضيق الوادي حتى تمر به جنود الله فيراها قال: فخرجت فحبسته عند مضيق الوادي حيث أمرني رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن أحبسه، ومرت القبائل عليها راياتها، كلما مرت قبيلة، قال: يا عباس من


(٤٦) متفق عليه واللفظ للبخاري.
(٤٧) إلى هنا من رواية البخاري، وليس فيها كما ترى إشارة إلى إسلام صاحبيه أيضا. والذي ذكره علماء السيرة، وفي مقدمتهم موسى بن عقبة، أن بديلا وحكيما أسلما بمجرد دخولهما على رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وتأخر أبو سفيان بإسلامه حتى أصبح. فلذلك عنيت رواية البخاري بذكر أبي سفيان وأهملت ذكر صاحبيه.

<<  <   >  >>