للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وروى ابن إسحاق وابن سعد بسند صحيح أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم التفت فرأى أم سليم بنت ملحان، وكانت مع زوجها أبي طلحة، فقال لها رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «أم سليم! .. قالت: نعم بأبي أنت وأمي يا رسول الله، أقتل هؤلاء الذين ينهزمون عنك كما تقتل الذين يقاتلونك؟ - وكان معها خنجر- فقال لها أبو طلحة: ما هذا الخنجر معك يا أم سليم؟ قالت: خنجر أخذته إن دنا مني أحد من المشركين بعجته به» .

«ومرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم بامرأة وقد قتلها خالد بن الوليد، والناس مجتمعون عليها، فقال ما هذا؟ قالوا امرأة قتلها خالد بن الوليد. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لبعض من معه: أدرك خالدا فقل له إن رسول الله ينهاك أن تقتل وليدا أو امرأة أو عسيفا» «٧٨» .

وفرّ مالك بن عوف ومن معه من رجالات قومه حتى وصلوا إلى الطائف فامتنعوا بحصنها وقد تركوا وراءهم مغانم كثيرة.

«وأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالغنائم كلها فحبست في الجعرانة، وجعل عليها مسعود بن عمرو الغفاري، واتجه صلّى الله عليه وسلم بمن معه إلى الطائف فحاصروها، وأخذت ثقيف تقذف المسلمين من حصونها بالنبال، فقتل بذلك ناس منهم، وظل رسول الله صلّى الله عليه وسلم في حصاره للطائف بضعة عشر يوما، وقيل بضعة وعشرين يوما. ثم بدا له أن يرتحل. روى عبد الله بن عمرو أنه صلّى الله عليه وسلم أعلن في أصحابه: إنا قافلون إن شاء الله، فقال بعض أصحابه: نرجع ولم نفتتحه؟ فقال لهم: اغدوا على القتال- أي فقاتلوا إن شئتم- فغدوا عليه، فأصابهم جراح، فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم: إنا قافلون غدا، فأعجبهم ذلك، فضحك رسول الله صلّى الله عليه وسلم» «٧٩» .

ولما قفل رسول الله صلّى الله عليه وسلم عائدا، قال لأصحابه: قولوا «آيبون، تائبون، عابدون، لربّنا حامدون» ، وقال له بعض الصحابة: يا رسول الله ادع الله على ثقيف، فقال: «اللهم اهد ثقيفا وأت بهم» «٨٠» .

قلت: وقد هدى الله ثقيفا بعد ذلك بقليل، فقد جاء وفدهم إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالمدينة لإعلان إسلامهم.


(٧٨) أخرجه أبو داود وابن ماجه، وروى الشيخان بمعناه، والعسيف: الأجير والعبد.
(٧٩) متفق عليه.
(٨٠) رواه ابن سعد في الطبقات، وأخرجه الترمذي في سننه. وقد رواه ابن سعد عن عاصم الكلابي عن الأشهب، عن الحسن.

<<  <   >  >>