للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

«يا معشر الأنصار، ما قالة بلغتني عنكم؟ ألم آتكم ضلالا فهداكم الله بي، وكنتم متفرقين فألّفكم الله بي، وكنتم عالة فأغناكم الله بي» ، (كلما قال لهم من ذلك شيئا قالوا بلى، الله ورسوله أمن وأفضل) ، ثم قال: «ألا تجيبوني يا معشر الأنصار؟» قالوا: بماذا نجيبك يا رسول الله؟ لله ولرسوله المنّ والفضل. فقال صلّى الله عليه وسلم:

«أما والله لو شئتم لقلتم، فلصدقتم ولصدّقتم: أتيتنا مكذّبا فصدقناك، ومخذولا فنصرناك، وطريدا فآويناك، وعائلا فآسيناك» ، فصاحوا: بل المنّ علينا لله ورسوله.

ثم تابع رسول الله صلّى الله عليه وسلم قائلا: «أوجدتم يا معشر الأنصار في أنفسكم من أجل لعاعة «٨٤» من الدنيا تألّفت بها قوما ليسلموا ووكلتكم إلى إسلامكم! ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير وترجعوا برسول الله إلى رحالكم؟ فو الله لما تنقلبون به خير مما ينقلبون به، والذي نفس محمد بيده لولا الهجرة لكنت امرءا من الأنصار، ولو سلك الناس شعبا وسلكت الأنصار شعبا، لسلكت شعب الأنصار. وإنكم ستلقون أثرة من بعدي فاصبروا حتى تلقوني على الحوض، اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار» .

فبكى القوم حتى اخضلّت لحاهم، وقالوا رضينا بالله ورسوله قسما ونصيبا «٨٥» .

وتبعه صلّى الله عليه وسلم ناس من الأعراب يسألونه مزيدا من العطاء، حتى اضطروه إلى سمرة تعلق بها رداؤه، فالتفت إليهم قائلا: «أعطوني ردائي أيها الناس، فو الله أن لو كان لكم بعدد شجر تهامة نعما لقسمته عليكم، ثم لا تجدونني بخيلا ولا كذوبا ولا جبانا «٨٦» ، أيها الناس والله ما لي من فيئكم إلا الخمس، والخمس مردود عليكم» «٨٧» .

وأدركه أعرابي فجذبه صلّى الله عليه وسلم جذبة شديدة من برده، وكان عليه برد نجراني غليظ، حتى أثّرت حاشية الرداء في صفحة عنقه، وقال له، مر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه فضحك، ثم أمر له بعطاء «٨٨» .

قال ابن إسحاق: ثم خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم من الجعرانة معتمرا، فلما فرغ، انصرف راجعا إلى المدينة، واستخلف على مكة عتاب بن أسيد.


(٨٤) اللعاعة: بقلة خضراء تستهوي العين، شبّه بها الدنيا..
(٨٥) رواه البخاري ومسلم، وابن إسحاق، وابن سعد، بنصوص متقاربة في الزيادة والنقصان.
(٨٦) رواه البخاري.
(٨٧) هذه الزيادة أخرجها أبو داود والنسائي عن عبد الله بن عمرو.
(٨٨) متفق عليه.

<<  <   >  >>