للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

روى الطبراني وابن إسحاق والواقدي أن أبا خيثمة زجع، بعد أن سار رسول الله صلّى الله عليه وسلم بعدة أيام، إلى أهله في يوم حار، فوجد امرأتين له في عريشين (أي خيمتين) لهما في بستان له، قد رشّت كل واحدة منهما عريشها وبردت له ماء فيه وهيأت له فيه طعاما، فلما دخل قام على باب العريش فنظر إلى امرأتيه وما صنعتا له، فقال: «رسول الله صلّى الله عليه وسلم في الشمس والريح والحر، وأبو خيثمة في ظل بارد وطعام مهيأ وامرأة حسناء في ماله مقيم؟! ما هذا والله بالنصف. ثم قال:

والله لا أدخل عريش واحدة منكما حتى ألحق برسول الله صلّى الله عليه وسلم فهيأتا له زادا، ثم قدّم ناضحة فارتحله وخرج في طلب رسول الله صلّى الله عليه وسلم حتى أدركه حين نزل تبوك، ولما دنا أبو خيثمة من المسلمين قالوا: هذا راكب على الطريق مقبل، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «كن أبا خيثمة» ! فقالوا: يا رسول الله، هو والله أبو خيثمة، فلما أناخ أقبل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فقال له عليه الصلاة والسلام: أولى لك يا أبا خيثمة! .. ثم أخبر رسول الله صلّى الله عليه وسلم الخبر فدعا له صلّى الله عليه وسلم بخير» .

وعانى المسلمون في هذه الرحلة جهودا شاقة وأتعابا جسيمة.

روى الإمام أحمد وغيره أن الرجلين والثلاثة كانوا يتعاقبون على بعير واحد، وأصابهم عطش شديد حتى جعلوا ينحرون إبلهم لينفضوا أكراشها ويشربوا ماءها «١٠٣» .

وروى الإمام أحمد في مسنده، عن أبي هريرة قال: «لما كانت غزوة تبوك أصاب الناس مجاعة، فقالوا: يا رسول الله، لو أذنت لنا فنحرنا نواضحنا فأكلنا وادّهنا، فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم: افعلوا، فجاء عمر فقال: يا رسول الله إنهم إن فعلوا قل الظهر، ولكن ادعهم بفضل أزوادهم ثم ادع لهم بالبركة لعلّ الله أن يجعل فيه ذلك، فدعا عليه الصلاة والسلام بنطع فبسطه، ثم دعاهم بفضل أزوادهم، فجعل الرجل يجيء بكف الذرة، والآخر بكف التمر والآخر بالكسرة حتى اجتمع على النطع من ذلك شيء يسير، ثم دعا عليه بالبركة، ثم قال لهم: خذوا في أوعيتكم قال: فأخذوا في أوعيتهم حتى ما تركوا من المعسكر وعاء إلا ملؤوه وأكلوا حتى شبعوا، وفضلت منه فضلة، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، لا يلقى الله بهما عبد غير شاكّ فتحجب عنه الجنة» «١٠٤» .

ولما انتهوا إلى تبوك، لم يجدوا هناك كيدا ولا قتالا، فقد اختفى وتفرق أولئك الذين كانوا قد تجمعوا للقتال. ثم أتاه يوحنه حاكم (أيلة) فصالح رسول الله صلّى الله عليه وسلم على الجزية، وأتاه أهل جرباء وأذرح فأعطوه أيضا الجزية، وكتب رسول الله صلّى الله عليه وسلم بذلك لهم كتابا.


(١٠٣) ورواه ابن سعد في طبقاته ٣/ ٢٢٠
(١٠٤) رواه أحمد في مسنده، وأورده الحافظ ابن كثير في تاريخه، ثم قال: ورواه مسلم عن أبي كريب عن أبي معاوية عن الأعمش.

<<  <   >  >>