للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القرآني، إذ كان اختبار المسلمين بها أعظم اختبار إلهي كشف اللثام عن النفاق في المدينة وميّز المنافقين عن المسلمين الصادقين أعظم تمييز، ثم نزلت الآيات المتوالية في كتاب الله تعالى تضبطهم بجرائمهم وتعلن للمسلمين سرائرهم وتحذرهم منهم في كل زمان ومكان.

فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ، وَكَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ، فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ، فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ، فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ [التوبة ٩/ ٨١- ٨٣] .

وأنت إذا رجعت إلى ما قبل هذه الآيات وما بعدها، رأيت فيها اهتماما غريبا بشأن المنافقين والحديث عنهم والتحذير منهم. وما ذلك إلا أن المسلمين لا يؤتون، في معظم ما يصيبهم من نكبات، إلا من قبل المنافقين، فلا يتسنى لعدوهم أن يتسلل إليهم إلا من خلال ثغرات النفاق والمنافقين، ولا ينخدع المسلمون بعدوّ لهم كما ينخدعون للمنافقين منهم، ولا يصابون بعدوى الضعف والخبال والتفرق كما يصابون به من قبل المنافقين، وصدق الله تعالى إذ يقول:

لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ [التوبة ٩/ ٤٧] .

ومكمن الخطورة فيهم، أنهم إنما يحاربون الإسلام باسمه، ويكيدون له بسلاحه، يتلاعبون بما فيه من أحكام باسم الإصلاح والمرونة والتمسك بروح التشريع ويستخرجون منه الفتاوى الملفقة المصطنعة تحقيقا لأمانيهم أو تقربا إلى سادتهم وأولياء نعمتهم.

والعظة التي ينبغي أن يأخذها المسلمون من هذا الدرس، هو أن يحذروا عدوّهم الخارجي مرة على أن يحذروا المنافقين فيهم ألف مرة، وأن يحاربوا أول ما يحاربون.. ما قد يشيع بينهم من النفاق.

٤- (الجزية وأهل الكتاب) ، في هذه الغزوة دليل على مشروعية أخذ الجزية من أهل الكتاب، وأنهم يحرزون بذلك دماءهم وأموالهم، فقد رأيت أن الروم اختفوا وتفرقوا عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم حينما وصل إلى تبوك، وجاءه متنصرة العرب فصالحوه صلّى الله عليه وسلم على الجزية، وكتب لهم عليه الصلاة والسلام بذلك كتابا.

والجزية ضريبة مالية تقوم بالنسبة لأهل الكتاب مقام الزكاة بالنسبة للمسلمين والفرق الذي بينها وبين الزكاة أن الجزية تقوم على أساس قضائي مجرد على حين تقوم مشروعية الزكاة على أساس من الديانة والقضاء معا.

<<  <   >  >>